هل تفقد سويسرا موقفها المحايد؟ ما الذي يكمن وراء الرسوم الأميركية على الدولة “الآمنة”؟

هل تفقد سويسرا موقفها المحايد؟ ما الذي يكمن وراء الرسوم الأميركية على الدولة “الآمنة”؟

في قرار صادم للأسواق الأوروبية، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 39% على واردات سويسرية مختارة، في واحدة من أعلى النسب المفروضة على أي شريك تجاري، متجاوزة حتى العديد من دول العالم النامي.

واشنطن تستهدف الفوائض التجارية

لكن في المقابل، تعد سويسرا سادس أكبر مستثمر أجنبي مباشر في الاقتصاد الأميركي، بإجمالي استثمارات يتجاوز 150 مليار دولار، وتدعم شركاتها ما يقدر بـ400 ألف وظيفة أميركية، وفق تقرير صحيفة وول ستريت جورنال. من أبرز الشركات السويسرية العاملة في السوق الأميركية نستله وروش ونوفارتيس.
ورغم هذه العلاقة المتوازنة في الاستثمار، تعد سويسرا من الدول التي تحقق فائضاً تجارياً دائماً مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار حفيظة إدارة ترامب.

ضغوط سياسية واقتصادية وراء القرار

في يونيو حزيران 2025، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية سويسرا ضمن «قائمة المراقبة» المرتبطة بممارسات اقتصادية غير عادلة، وعلى رأسها تدخلات البنك المركزي السويسري في سوق صرف الفرنك.وكانت إدارة ترامب قد اتهمت سويسرا سابقاً بـ«التلاعب بالعملة» لتقوية تنافسية صادراتها، رغم نفي البنك المركزي ذلك مؤكداً أن التدخلات تهدف فقط إلى ضبط معدلات التضخم.القرار الأميركي يأتي بعد فشل مفاوضات ثنائية استمرت لأشهر، وانتهت في أواخر يوليو تموز باتصال هاتفي بين الرئيس ترامب والرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر، أكدت بعده الأخيرة أن «الاتفاق لم يتم التوصل إليه»، رغم جهود مشتركة شملت أكثر من 20 جولة تفاوض حسب غرفة التجارة السويسرية-الأميركية.

مقارنة مع الاتحاد الأوروبي توضح الفجوة

في حين حصلت دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا، على رسوم جمركية تفضيلية لا تتجاوز 15%، فرضت على سويسرا نسبة 39%، ما يضعها في مرتبة أدنى تنافسياً في السوق الأميركية.هذا الوضع دفع اقتصاديين سويسريين إلى المطالبة بإعادة النظر في نهج الحياد التقليدي للبلاد، لصالح علاقات أعمق مع الاتحاد الأوروبي، من أجل تحسين شروط التفاوض التجاري المستقبلية.

التأثير المحتمل على الاقتصاد السويسري

بحسب مؤسسة كابيتال إيكونوميكس، فإن استمرار تطبيق الرسوم الجديدة دون إعفاءات سيؤدي إلى خسارة تقدر بـ0.6% من الناتج المحلي الإجمالي السويسري، وهي نسبة مرشحة للارتفاع في حال شمول الرسوم قطاع الأدوية، الذي لا يزال معفى حتى الآن.كما تشير التقديرات إلى أن نمو صادرات المنتجات الدوائية والذهب إلى السوق الأميركية خلال النصف الأول من 2025 كان أحد أبرز أسباب تضخم العجز التجاري لصالح سويسرا.

دلالات إقليمية وعالمية

يمثل هذا القرار تحولاً واضحاً في توجهات الإدارة الأميركية تجاه الدول الأوروبية الصغيرة ذات الفوائض التجارية المرتفعة.وقد ينعكس هذا النهج قريباً على دول أخرى تعتمد على السوق الأميركية في صادراتها، ما يزيد من الضبابية في قواعد التجارة الدولية ويضغط على الاقتصادات الصغيرة والمتوسطة الحجم عالمياً.