ارتفاع الرسوم الجمركية على ترامب يدفع الدول الإفريقية للتوجه نحو الصين.

ارتفاع الرسوم الجمركية على ترامب يدفع الدول الإفريقية للتوجه نحو الصين.

بينما تُعيد الدول الإفريقية ترتيب أولوياتها التجارية لمواجهة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبدو الصين -المنافس الاقتصادي الأول لواشنطن- المستفيد الأكبر من هذا التحول، مع تكثيف جهودها لتوثيق علاقاتها الاقتصادية بالقارة السمراء.
رسوم قاسية تطول 22 دولة إفريقية

وكان ترامب قد أعلن في أبريل الماضي أن هذه الرسوم «متبادلة»، وتستهدف الدول التي تسجل عجزاً تجارياً مع الولايات المتحدة، إلا أن آلية فرض الرسوم استندت فعلياً إلى الفارق التجاري بين واشنطن وتلك الدول، وليس إلى الرسوم التي تفرضها على المنتجات الأميركية.وفي جنوب إفريقيا، وصفت الحكومة قرار فرض رسوم بنسبة 30% على صادراتها إلى الولايات المتحدة بأنه لا يستند إلى «بيانات تجارية دقيقة»، وقررت التحدي.الصين تدخل على الخطوفي المقابل، أعلنت الصين في يونيو أنها ستعلق الرسوم الجمركية على وارداتها من معظم شركائها الأفارقة، في محاولة لتخفيف وطأة الإجراءات الأميركية.وحذرت الباحثة الجنوب إفريقية نيو ليتسوالو من أن «أميركا تتنازل تدريجياً عن مكانتها القيادية في العالم»، معتبرة أن الفرصة الآن مواتية لتعزيز التجارة بين دول الجنوب (النامية)، مضيفة: «يجب أن نتحول بالكامل نحو الصين ونجعلها الولايات المتحدة الجديدة».ورأت أن إخفاق واشنطن في توقيع أي اتفاقيات تجارية مع الدول الإفريقية قبيل دخول الرسوم حيز التنفيذ يمثل «هدفاً مفتوحاً للصين».ضغوط اقتصادية على الفقراء والأغنياءشملت تأثيرات الرسوم الجمركية دولاً غنية مثل جنوب إفريقيا، وأخرى فقيرة مثل ليسوتو التي فُرضت عليها رسوم بنسبة 15% بعد أن كانت سابقاً 50%، من أعلى المعدلات المفروضة.وقال رئيس وزراء ليسوتو، صامويل ماتيكاني، في يونيو، إن هذه الرسوم، إلى جانب وقف المساعدات الأميركية، «أدت إلى شلل في الصناعات التي كانت تُشغّل آلاف العمال»، وأعلنت الحكومة حالة طوارئ وطنية لمدة عامين.وقبل فرض الرسوم، كانت ليسوتو تستفيد من اتفاق تجاري مع واشنطن يتيح لها تصدير السلع دون رسوم جمركية، ما ساعد في إنعاش قطاع النسيج المحلي.وفي جنوب إفريقيا، يواجه قطاع الحمضيات -ثاني أكبر مُصدّر للبرتقال إلى الولايات المتحدة- خطر الخسارة، وقال اتحاد مزارعي الحمضيات هناك: «إذا طُبّقت الرسوم، فستكون خسارة الوظائف أمراً مؤكداً».وتواجه قطاعات أخرى مثل صناعة السيارات صدمات مماثلة، مع تحذيرات من مغادرة بعض الشركات الأجنبية بسبب تراجع الجدوى الاقتصادية.وقال وزير الموارد المعدنية والطاقة في جنوب إفريقيا، جويدي مانتاشي: «إذا فرضت الولايات المتحدة رسوماً مرتفعة، فعلينا البحث عن أسواق بديلة»، مشيراً إلى أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لبلاده، بينما تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية.هل الاعتماد على الصين آمن؟رغم المكاسب قصيرة المدى من التقارب مع بكين، يحذّر الخبراء من مخاطره طويلة الأمد.تقول ليتسوالو «إن التحول من الاعتماد على أميركا إلى الصين قد يكون محفوفاً بالمخاطر، خاصة على الصناعات الناشئة في إفريقيا»، موضحة أن «المنتجات الصينية الرخيصة قد تُغرق الأسواق الإفريقية وتُخرج الصناعات المحلية من المنافسة».ووفقاً لتقرير صادر عن مشروع الصين والجنوب العالمي (CGSP)، فإن الميزان التجاري بين إفريقيا والصين يميل بشدة لصالح بكين، حيث تصدّر الصين منتجات مُصنّعة، بينما تشتري من إفريقيا المواد الخام.وكان الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا قد دعا، خلال لقائه بنظيره الصيني شي جين بينغ العام الماضي، إلى «تحقيق توازن تجاري عادل» بين الجانبين.ويحثّ ريواني الدول الإفريقية على الاستفادة من الأزمة الحالية في بناء «قدرة اقتصادية ذاتية» والتقليل من الاعتماد على الشركاء الخارجيين، كما دعا إلى تسريع تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA) التي وُقّعت في 2020، لكنها لا تزال تُنفّذ ببطء.وبينما قد يشكّل التقارب مع الصين مخرجاً مؤقتاً لإفريقيا في ظل السياسات التجارية الأميركية المتشددة، إلا أن الطريق الآمن -حسب المحللين- يمر عبر تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية نفسها، والاعتماد على الذات بدلاً من الارتهان لمحاور اقتصادية عالمية قد تتغير حساباتها في أي لحظة.