رابط تاريخي بين المغرب والبرتغال: طاقة نظيفة تعبر القارات

رابط تاريخي بين المغرب والبرتغال: طاقة نظيفة تعبر القارات

في خضم تحولات عميقة تشهدها منظومة الطاقة العالمية، أعلنت البرتغال، في 29 يوليو تموز 2025، عن مشروع طموح لربط شبكتها الكهربائية بالمغرب، بتكلفة استثمارية تبلغ 437 مليون دولار.
لكن ما يبدو في ظاهره مشروعاً للبنية التحتية، يخفي وراءه تحولات استراتيجية أعمق تكمن في إعادة تموضع للبرتغال خارج الفلك الطاقي الإسباني، وصعود للمغرب كلاعب موثوق في تصدير الطاقة النظيفة إلى أوروبا، وإعادة تشكيل لهندسة الربط الكهربائي العابر للقارات.

البرتغال تفك ارتباطها الحصري بإسبانيا

كانت البرتغال منذ سنوات طويلة تعتمد في أمنها الكهربائي على الربط الوثيق بإسبانيا، العضو الأكبر في «السوق الكهربائية الإيبيرية»، غير أن الأزمة الأخيرة كشفت هشاشة هذا النموذج، ما دفع لشبونة إلى التفكير خارج الصندوق، وتحديداً خارج حدود الاتحاد الأوروبي.
ويُعد المشروع مع المغرب أول ربط كهربائي مباشر للبرتغال مع دولة من خارج المنظومة الأوروبية، وهو ما يعكس إرادة سياسية لتحرير القرار الطاقي، وتنويع مصادر التزود، والابتعاد عن مركزية الجوار الإقليمي التقليدي.هذا التحول لم يأتِ من فراغ؛ بل تأسس على إعلان مشترك وُقّع في ديسمبر كانون الأول 2023 خلال مؤتمر المناخ «كوب 28» بدبي، إذ اتفق الطرفان على إحياء الدراسات الفنية والمالية لمشروع الربط، والتي كانت مؤجلة لسنوات.

المغرب.. نمو متسارع في الطاقة النظيفة

في عام 2023، بلغ إجمالي إنتاج المغرب من الكهرباء نحو 43711 غيغاواط في الساعة، اعتمد قرابة ثلثيه على الفحم، بينما شكّلت مصادر الطاقة المتجددة نحو 20% من إجمالي الإنتاج. ورغم هذا الاعتماد الكبير على المصادر التقليدية، يسعى المغرب إلى قلب المعادلة بحلول عام 2030، إذ يستهدف توليد 52% من الكهرباء من مصادر متجددة ونظيفة.وتعزيزاً لهذا الهدف، أطلقت المملكة خطة طموحة لتحويل البلاد إلى مركز إقليمي للطاقة النظيفة، عبر مضاعفة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة من 12 إلى 27 غيغاواط خلال السنوات المقبلة، وتشمل الخطة استثمارات تُقدَّر بنحو 13 مليار دولار، تُوجَّه بشكل رئيسي إلى مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ما يعكس التزام المغرب بتسريع التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.ويمنح الموقع الجغرافي للمغرب، إلى جانب وفرة موارده من الطاقة الشمسية والرياح، قدرة تنافسية عالية في تصدير الكهرباء الخضراء، ومع مشاريع ربط قائمة أو قيد الدراسة مع بريطانيا وإسبانيا، يصبح مشروع الربط مع البرتغال جزءاً من استراتيجية أوسع لتحويل المملكة إلى جسر طاقي بين إفريقيا وأوروبا.

بين أمن الطاقة والحياد الكربوني

لا تقتصر أبعاد المشروع على تأمين الإمدادات فحسب، بل تمتد إلى الالتزامات البيئية، إذ من المتوقع أن يسهم الربط الكهربائي المغربي البرتغالي في تقليص الانبعاثات الكربونية، من خلال استيراد طاقة متجددة، تتماشى مع أهداف الحياد الكربوني التي تتبناها البرتغال ضمن سياسات الاتحاد الأوروبي.كما يدعم المشروع استقرار الشبكات الكهربائية في البلدين، ويخفف الضغط عن مصادر الإنتاج التقليدية، ما يمنح مرونة أعلى في مواجهة اضطرابات السوق، أو تقلبات الطلب الموسمية.ويشير مسؤولون برتغاليون إلى أن الربط مع المغرب لا يُعد فقط خياراً تقنياً، بل هو استثمار في الأمن الطاقي على المدى الطويل، في ظل تزايد التحديات المناخية والتقلبات الجيوسياسية التي تؤثر على أسواق الطاقة.

جغرافيا جديدة للطاقة في غرب المتوسط

من منظور أوسع، يحمل المشروع أبعاداً جيوسياسية واضحة؛ فإقامة خط ربط كهربائي مباشر بين بلدين على ضفتي المتوسط، يعيد تشكيل جغرافيا الطاقة في غرب المتوسط، ويمنح المغرب والبرتغال موقعاً مشتركاً كمحور للعبور الطاقي بين القارتين.في النهاية فإن مشروع الربط الكهربائي المغربي البرتغالي ليس مجرد استثمار في البنية التحتية، بل هو تجسيد لرؤية اقتصادية وجيوسياسية جديدة في جنوب غرب أوروبا وشمال إفريقيا. وبينما تسعى البرتغال لتأمين طاقتها وتقليل انكشافها على الاضطرابات، يعزز المغرب مكانته كمورد موثوق للطاقة النظيفة، في لحظة تشهد فيها أوروبا تحولاً حاسماً نحو الاستدامة.