مصر 2025: تزايد الاهتمام بالاستحواذات يغير ملامح الاقتصاد

مصر 2025: تزايد الاهتمام بالاستحواذات يغير ملامح الاقتصاد

دخلت مصر عام 2025 بزخم استثماري غير مسبوق، مدفوع بتحولات هيكلية في السياسات الاقتصادية، وتراجع تقييمات الأصول، وعودة الثقة في السوق المحلي. وبعد تحرير سعر الصرف في آذار 2024، أعادت الأسواق تقييم الشركات المصرية، حيث بلغ متوسط مضاعف الربحية 8.8 مرة فقط، ما جعلها هدفاً مغرياً للمؤسسات الاستثمارية التي تبحث عن توسع نوعي في منطقة الشرق الأوسط.

شهد العام الماضي تنفيذ أكثر من 180 صفقة اندماج واستحواذ، بزيادة تجاوزت 27% مقارنة بعام 2023، وفقاً لبيانات رسمية، بينما بلغت القيمة الإجمالية نحو 3.5 مليار دولار، بتراجع نسبي نتيجة توجه المستثمرين نحو شركات متوسطة الحجم ذات نماذج تشغيلية مستدامة.
اللافت أن الصفقات العابرة للحدود ارتفعت بنسبة 25%، مع تركيز على القطاعات غير التقليدية مثل التعليم والخدمات الرقمية والطاقة النظيفة، وهو ما يعكس تغيراً في فلسفة الاستثمار من اقتناص الفرص إلى بناء شراكات طويلة الأجل. من أبرز الصفقات الجارية في النصف الأول من 2025، صفقة استحواذ شركة دنماركية على إحدى شركات الأغذية المصرية بقيمة تقارب 9 مليارات جنيه، إلى جانب دخول مؤسسة سعودية في مفاوضات لرفع حصتها في إحدى شركات التعليم بقيمة تفوق 3 مليارات جنيه. كما تسعى جهات إماراتية لإتمام صفقة في قطاع الأدوية بقيمة تتجاوز 1 مليار جنيه، ضمن توجه استراتيجي نحو القطاعات التشغيلية ذات العوائد المستقرة. برزت الإمارات في صدارة المستثمرين بعدد كبير من الصفقات، تلتها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وسط تسهيلات حكومية متسارعة شملت الرخصة الذهبية وتقليص فترة التخليص الجمركي إلى يومين فقط، وهي خطوات أكدت الحكومة أنها جزء من خطة استباقية لجذب تدفقات استثمارية نوعية تسهم في زيادة الناتج المحلي وتحسين الكفاءة التشغيلية للقطاعات المستهدفة.القطاعات الأكثر جذباً تضمنت المواد الأساسية والخدمات المصرفية والتعليم واللوجستيات والطاقة المتجددة، حيث تسعى الجهات الدولية لترسيخ وجودها في مصر قبل إعادة تسعير الأصول بعد انتهاء موجة التضخم العالمية.وتشير تقديرات مؤسسات مالية إلى أن هناك 6 صفقات قيد التنفيذ تتجاوز قيمتها الإجمالية 100 مليون دولار خلال النصف الثاني من العام، منها استثمارات مباشرة في شركات التكنولوجيا المالية وتطبيقات النقل الذكي.ورغم هذا الزخم، لا يمكن تجاهل التحديات، فقد خرج نحو 2,360 شركة من السوق خلال النصف الأول من عام 2024، نتيجة ارتفاع تكلفة التمويل وصعوبة تحويل الأرباح بالعملة الأجنبية وبطء الإجراءات التنظيمية، خصوصاً المتعلقة بالموافقات العابرة للحدود، إلا أن المستثمرين ينظرون لهذه التحديات في سياق تقدمي، معتبرين أن تجاوزها سيكون مدخلاً لإصلاح تشريعي عميق يعزز الشفافية والحوكمة ويخلق بيئة أكثر تنافسية.ما يجري في مصر اليوم ليس مجرد نشاط استثماري، بل هو تحول في فلسفة إدارة الاقتصاد الوطني، حيث تُوظف الاستحواذات كأدوات لإعادة الهيكلة وتعزيز الإنتاجية وتوسيع الملكية بما يخدم أهداف التنمية العادلة والمنافسة الإقليمية والدولية، وإذا ما استُثمرت هذه الديناميكية ضمن إطار مؤسسي متكامل، فإنها ستمثل نقطة تحول تاريخية تضع مصر في قلب منظومة اقتصادية أكثر تناغماً وكفاءة.