مناهضو البنوك ومؤيدو البيتكوين: لماذا بدأوا applauding لرموز وول ستريت؟

عندما انطلقت البيتكوين في عام 2009، لم يكن الهدف مجرد إنشاء عملة من شأنها خلق مليونيرات جدد يتبجحون بيخوتهم الطويلة وساعاتهم الفاخرة وحياتهم المتنقلة بين طائرة وأخرى.
إذاً، ساتوشي ناكاموتو أسس مشروعه على فكرة اللامركزية المالية والحرية من سيطرة البنوك والحكومات، ومع مرور الوقت تشكلت حول هذا المبدأ حركة رقمية ضخمة تضم مبرمجين، مستثمرين، «مناضلين» من أجل الخصوصية، و«مثقفين» مؤمنين بأن العملات المشفرة هي سلاح ضد استبداد الأنظمة الاقتصادية التقليدية.
مناهضو البنوك والأوليغارشية.. يصفقون لأعمدة وول ستريت
في السنوات الأخيرة، بدأ ما يُعرف بـ«التبني المؤسساتي» للعملات المشفرة، خصوصاً البيتكوين، يأخذ زخماً متزايداً، لكن المشكلة ليست هنا على الإطلاق، بل المشكلة هي عندما تبعث إحدى أكبر منصات العملات المشفرة وهي «كوين بيس» برسائل رسمية للجهات التنظيمية الأميركية، مثل «أو سي سي» و«إف إي دي» و«إف دي آي سي»، مطالبة إياهم «بالوضوح التنظيمي للسماح للبنوك بتقديم خدمات مثل حفظ وتداول العملات المشفرة» دون عقبات تنظيمية، هنا تكمن المشكلة.و«كوين بيس» ليست وحدها، فعلى سبيل المثال أيضاً، «تشامبر أوف ديجيتال كوميرس» وهي منظمة أميركية معنية بالدعوة لتقنيات البلوك تشين والعملات الرقمية، طالبت بالسماح للبنوك وغيرها بإصدار عملات مستقرة ضمن إطار تنظيمي واضح.المفارقة الكبرى هنا أن قطاعات واسعة من مجتمع العملات المشفرة تحتفي بهذه التحركات، معتبرة اعتراف المؤسسات المالية التقليدية «انتصاراً رسمياً» لعالم العملات المشفرة، لكن ماذا وراء هذا التناقض الجوهري؟ وكيف تحوّلت الثورة الرقمية اللامركزية إلى منتج مالي هدفه الربح؟قال رئيس قسم الأبحاث والتعليم في «سي إف آي»، جورج خوري، إن أكبر دليل على إمكانية تحكم المؤسسات المالية التقليدية مستقبلاً في سوق العملات المشفرة هو تحكم صناديق التحوط والمؤسسات المالية الكبرى، وعلى رأسها المصارف، بالزخم والسيولة الضخمة التي تشهدها صناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين والإيثريوم، مشيراً إلى أن استجداء التراخيص من الهيئات الرسمية الحكومية مثل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية وغيرها، يتجه نحو منحها السيطرة والتحكم الكامل بصناعة التشفير.وأضاف أن «الزمن الذهبي للعملات المشفرة شهدناه في السنة الماضية، وقد جاء نتيجة الزخم المؤسساتي وضخ السيولة في سوق العملات المشفرة» موضحاً أن «سيطرة الهيئات الرقابية على السوق قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين المتمرسين في العملات المشفرة».كما لفت إلى أن «مستقبل الصناعة سيكون صعباً في ظل تحكم المؤسسات المالية التقليدية الكبرى بالسوق، لا سيما تلك العملات التي من المحتمل أن يتم إدراجها ضمن صناديق ETF، وعلى رأسها إكس آر بي وكاردانو وسولانا إلى جانب الإيثريوم والبيتكوين».
شراكة أم إعادة احتكار للنظام المالي بأدوات جديدة؟
قال رئيس قسم أبحاث السوق والتحليل في مجموعة «ايكويتي»، رائد الخضر، حين بدأنا في عالم العملات المشفرة، لم يكن الهدف فقط بناء أداة جديدة للربح، بل كان هناك مشروع فكري واضح، هو إنشاء نظام مالي بديل، لا مركزي، مقاوم للرقابة، يُعيد السيادة المالية إلى الأفراد، مشيراً إلى أن «البيتكوين لم تُخلق لتكون تحسيناً للنظام المالي القائم، بل لتكون نقيضاً لها».وأضاف «مع ذلك، نرى اليوم أن السوق لا تكتفي بتقبّل دخول المؤسسات المالية الكبرى، بل تحتفل بذلك، كأن العودة إلى المركزية أصبحت نوعاً من الإنجاز»، متسائلاً «هل دخول البنوك مثل جي بي مورغان وغيره يشكّل تهديداً فعلياً للامركزية؟».الجواب أولاً «ليس كل دخول مؤسسي خطراً» حسب ما قال الخضر في حديث لـ«CNN الاقتصادية»، موضحاً أن مؤسسات مثل «استراتيجي» و«ميتابلانيت»، التي تعتبر اليوم من أكبر حاملي البيتكوين، لم تدخل لتُهيمن أو تُعيد تشكيل السوق، بل كمؤمنين بالفكرة الأساسية وهي أن البيتكوين كأصل بديل غير مرتبط بالنظام المالي التقليدي.وأضاف «هذه المؤسسات تحترم فلسفة الكريبتو، ولا تحاول تطويعها لصالحها، لذلك وجودها أضاف شرعية وثقة، خاصة في أسواق آسيا»، لكن القصة تختلف مع البنوك التقليدية.لكن من جهة أخرى، حسب ما أشار الخضر، حين تتحدث عن دخول «جي بي مورغان وبلاك روك وغولدمان ساكس» فالوضع يختلف كون هذه الجهات تملك نفوذاً تنظيمياً وسياسياً هائلاً، وقدرة على التأثير في الجهات الرقابية، إضافة إلى الرؤية المركزية بطبيعتها.وتابع أن «هدفها ليس دعم اللامركزية، بل خلق نموذج «بلوك تشين مركزي» يخدم مصالحها إن كان عبر العملات المستقرة أو صناديق الاستثمار المتداولة أو محافظ الحفظ «كاستودي» التي تنزع من المستثمرين الأفراد السيادة على أصولهم.وهنا بحسب الخضر «لا نتحدث عن شراكة بل عن إعادة احتكار باستخدام أدوات جديدة».
هل تسرق البنوك حلم اللامركزية بالمستقبل القريب؟
قال الخضر إننا خلال العامين القادمين سنشهد نظاماً مزدوجاً، الأول نظام عملات مشفرة مؤسسي خاضع للتنظيم، يخدم الصناديق والبنوك، والثاني لا مركزي حقيقي، تحافظ عليه شبكات مثل البيتكوين ومجتمعات الـ«Defi» ومجتمعات DeFi، والمنظمات المستقلة التي تعتمد على اللامركزية والحوكمة الجماعية.لذلك بحسب الخضر «المعركة ستكون على الرؤية»، متسائلاً «هل تبقى الكريبتو أداة تحررية؟ أم تصبح مجرد (إصداراً حديث) من النظام المالي الذي كنا نحاول الهروب منه؟».
تغيير في الخطاب أم استفادة مالية؟
بعد المواجهة الشرسة لسنوات بالرفض، بدأنا في السنتين الأخيرتين نشهد تغييراً واضحاً في لهجة المصارف الكبرى والحكومات تجاه العملات المشفرة، فالمصارف التاريخية الكبرى مثل «غولدمان ساكس» و«جي بي مورغان» التي طالما اعتبرها مجتمع التشفير رموزاً للنظام المالي «الفاسد والمتحكم» شرعت بخطوات جريئة لدخول سوق التشفير، إما بإطلاق صناديق تداول البيتكوين، أو بتقديم خدمات حفظ الأصول المشفرة لعملائها، فهل غيّرت الشركات العملاقة قناعاتها وخطابها فعلاً بعد أن كانت ترى في الأصول المشفرة مجرد سلع للمضاربة وبؤراً للاحتيال؟ أم أنها باتت ترى أن لا مفر من دخول سوق يضاهي حجمها اليوم 3.9 تريليون دولار، مستغلة التوجه العام للاستفادة من الأصول الرقمية كأداة تنويع واستثمار؟ببساطة إن النظام الذي كان من المفترض أن تطيح به العملات المشفرة ذاته، بات اليوم يحتضنها ويعيد تشكيلها لتلائم هياكله، وإن لم يكن بالعملات الأشهر، فالتوجه للعملات المستقرة المشفرة يكون موجوداً.
ولاية ترامب الثانية عززت هذا التوجه
حتى المشاريع التي كانت تروج لمبادئ اللامركزية بدأت تتعامل مع المؤسسات المالية كمستثمرين محتملين، وتُكيّف تقنياتها لخدمتها، وعلى رأسها شركة «ريبل» على سبيل المثال، التي صدحت بوجهها أصوات كثيرة تتهمها بالمركزية.في المقابل، هناك أمر لا بد من التمعن به بدقة، وهو العامل الأكبر الذي أسهم في تحول خطاب المؤسسات المالية التقليدية من العداء إلى التبني، وهو انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب لولاية ثانية، أسهم فيه الناخبون المناصرون لصناعة التشفير بجزء كبير جداً بإيصال ترامب إلى ولاية ثانية، إن كان بالدعم الانتخابي أو بالدعم المالي وعلى رأسهم «كوين بيس».بالخلاصة، علمنا التاريخ أن الثورات إما أن تنتصر أو تُحتوى، وما يحدث اليوم قد لا يكون إلا مثالاً جديداً على استيعاب النظام القائم لأكثر أدوات مقاومته تطرفاً، لا، بل في حالات كثيرة مناصرتها للسيطرة عليها، لا لأنها بالفعل باتت جزءاً من قناعاته، ليبقى السؤال الآن ليس في «هل ستنجح العملات المشفرة في كسر سلطة المصارف؟»، بل في خدمة من ستكون في السنوات الخمس القادمة؟