هل تستطيع اقتصادات الخليج تطوير نفسها بعيداً عن الاعتماد على النفط؟

رغم الرياح المعاكسة في الاقتصاد العالمي، تواصل اقتصادات الخليج محاولاتها الجادة للتحول نحو نموذج تنموي أقل اعتماداً على النفط.
هذه الأرقام تبرز تحولاً واضحاً في بنية النمو الاقتصادي بدول الخليج نحو القطاعات غير النفطية، وخاصة بعد 2020.أظهرت القطاعات غير النفطية في دول الخليج أداءً أكثر استقراراً ومرونة، إذ حافظت على متوسط نمو إيجابي تجاوز 3.3% منذ 2021، بينما سجلت القطاعات النفطية تقلبات حادة، منها انكماشات قوية في 2020 و2023 و2024.اللافت أن مساهمة القطاعات غير النفطية باتت المحرّك الأساسي للنمو الكلي، لا سيما في 2023 و2024 حين عوّضت الانكماش النفطي وأبقت على معدل نمو إيجابي للاقتصاد الكلي.أما في 2025 حتى 2027، فتشير التوقعات إلى تعافٍ تدريجي في القطاعات النفطية، ما يرفع معدل النمو الاقتصادي الكلي إلى نحو 4.4% في 2027، لكن مع استمرار تفوق النمو غير النفطي، وهو ما يعكس جهود التنويع الاقتصادي وتوسع الخدمات والسياحة والبنية التحتية في معظم دول الخليج.
السعودية.. مشاريع عملاقة تدفع النمو رغم خفض النفط
رغم خفض إنتاج النفط بموجب اتفاقات «أوبك+»، تمكنت من الحفاظ على معدل نمو قوي للقطاع غير النفطي عند 4.7% في 2024، ومن المتوقع أن يسجل 4.9% في 2025.يعود ذلك إلى مزيج من الاستثمارات الحكومية والطلب المحلي القوي، وزيادة الإنفاق على المشاريع الكبرى مثل «نيوم»، إضافة إلى الاستثمارات في قطاع الخدمات والسياحة.وتبرز قطاعات مثل الإنشاءات، والخدمات المالية، والسياحة، والتجزئة، والتعليم، والتكنولوجيا ضمن المحركات الأساسية للنمو.لعب برنامج «رؤية 2030» دوراً محورياً في توجيه الاستثمارات العامة نحو قطاعات جديدة، أبرزها السياحة مثل مشروع البحر الأحمر والترفيه كموسم الرياض، إلى جانب الاستثمارات في البنية التحتية الرقمية.
الإمارات.. الصدارة غير النفطية مستمرة حتى 2027
سجلت الإمارات نمواً غير نفطي بلغ 4.5% في 2024، مع توقعات بأن يصل إلى 4.6% في 2025. ويأتي ذلك في ظل استمرار تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعافي قطاع العقارات والخدمات المالية، والسياحة، والنقل، والتكنولوجيا المالية، والتجارة في دبي وأبوظبي.وأبرز التقرير أن الإمارات كانت واحدة من الاقتصادات القليلة التي نجحت في توسيع قاعدة الإنتاج غير النفطي بوتيرة أسرع من أقرانها.ورجّح التقرير أن تصل مساهمة القطاعات غير النفطية إلى أكثر من 75% من الناتج المحلي بحلول 2027، مدعومة بسياسات تنويع فعّالة وخطط للتحول الرقمي والطاقة المتجددة.
قطر: ما بعد الغاز.. قطاعات بديلة تنهض بهدوء
رغم الاعتماد التاريخي على الغاز الطبيعي، تستثمر الدوحة بكثافة في قطاعات النقل والخدمات، إذ بلغ نمو القطاع غير النفطي 3.2% في 2024، ومن المتوقع تحسنه إلى 3.7% في 2025.ستظل القطاعات غير النفطية تنمو بقوة داعمة للاقتصاد؛ فالبنك الدولي يشير إلى نمو قوي خاصة في مجالات التعليم والسياحة والخدمات مع المشاريع التحضيرية للفعاليات الدولية المُقبلة.كما تشهد قطر برامج تنمية لجذب السياحة والأعمال، ما يعزز النمو غير النفطي بالرغم من التباطؤ النفطي المؤقت.
الكويت.. قدرات مالية هائلة بلا عائد تنموي كافٍ
على الرغم من امتلاك الكويت أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، فإن معدل نمو القطاع غير النفطي يُتوقع أن يبلغ فقط 3% في 2024 و3.3% في 2025، وهي وتيرة كان يمكن أن تزيد بفضل إمكانياتها المالية.يعود هذا إلى تأخر عدد من الإصلاحات الاقتصادية وغياب التنوع في مصادر الدخل، إذ لا يزال القطاع العام يهيمن على الاقتصاد.كما تعاني الكويت من فجوات في جذب الاستثمار الأجنبي، وبطء في تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى، رغم وجود فرص واعدة في قطاعات مثل البتروكيماويات والنقل والخدمات التعليمية. ومع ذلك، فإن تحسين الإطار التشريعي وتفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص قد يفتحان الباب أمام تسارع النمو خلال الأعوام المقبلة.
عُمان.. خطى حذرة في رحلة التحول الاقتصادي
تسير عُمان على طريق التحول الاقتصادي بخطى حذرة، إذ يُتوقع أن يسجل القطاع غير النفطي نمواً بنسبة 2.8% في 2024 و3.1% في 2025. ويرتبط هذا النمو بالاستثمارات المتزايدة في قطاعي اللوجستيات والسياحة ضمن «رؤية عُمان 2040»، إلا أن الدولة لا تزال تواجه تحديات على صعيد تنويع الإيرادات خارج قطاع الطاقة، بالإضافة إلى نسب بطالة بين الشباب تعيق تسارع التحول. تعتبر الإصلاحات الهيكلية قائمة، لكن مساهمة القطاع غير النفطي في الناتج المحلي لا تزال أقل من 45%، ما يجعل مسار النمو أكثر تحفظاً مقارنة بباقي دول الخليج.
البحرين.. طموح رقمي في مواجهة ضيق الموارد
رغم امتلاك البحرين بنية تحتية متطورة في قطاع الخدمات المصرفية والمالية، فإن نمو القطاع غير النفطي يُتوقع أن يكون الأبطأ خليجياً عند 2.1% في 2024 و2.4% في 2025.يعود ذلك إلى محدودية الموارد الطبيعية، وضيق هامش الإنفاق الحكومي مقارنة بجيرانها، وفي ظل التزامات ديون مرتفعة نسبياً، تعتمد المملكة بشكل كبير على دعم الشركاء الخليجيين، خاصة السعودية، للمضي في مشاريع التنويع الاقتصادي.ومع أن البحرين تُعد رائدة في بعض الأنشطة الرقمية، إلا أن مساهمة القطاعات الإنتاجية لا تزال محدودة، ما يتطلب إعادة توجيه الاستثمار نحو الصناعة والتقنيات الحديثة.
هل يقود القطاع غير النفطي النمو الخليجي فعلاً؟
تعكس بيانات مؤشر التنويع الاقتصادي لدول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2021 و2025 تقدماً ملحوظاً على صعيد تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي. شهدت جميع الدول الخليجية ارتفاعاً في المؤشر، إذ سجّلت الإمارات أعلى معدل تنويع عند 99.92 في 2025، ما يعكس ريادتها في جذب الاستثمار الأجنبي، وتوسيع القطاعات الرقمية، والسياحة، والخدمات المالية.في عام 2021، سجلت دولة الإمارات أعلى قيمة في مؤشر التنويع الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، عند مستوى 94.8. وقد شكّلت مشاريع البنية التحتية والعقارات الكبرى أدوات رئيسية لتعزيز النمو والتنويع الاقتصادي في دول الخليج.كما أحرزت السعودية قفزة كبيرة من 90.1 إلى 93.93، مدفوعة برؤية 2030 ومشاريع كبرى مثل نيوم، ما يؤكد تسارع وتيرة التحول الهيكلي في الاقتصاد. حققت الكويت أيضاً تقدماً لافتاً من 83.1 إلى 88.23، رغم تحديات التنوع السابقة، ما يشير إلى تحسن نسبي في تنفيذ سياسات الإصلاح الاقتصادي.يعكس التحسن الشامل في المؤشر نجاح دول الخليج في التحول نحو اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة، وهو ما يدعم قدرتها على الصمود في وجه تقلبات أسعار النفط، ومع استمرار الإصلاحات والاستثمار في القطاعات الإنتاجية، فإن آفاق النمو غير النفطي تبدو أكثر استقراراً، ما يعزز من فرص تحقيق تنمية طويلة الأجل وشاملة في المنطقة.قالت المديرة الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي صفاء الطيب الكوقلي بالبنك الدولي «إن قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الصمود في مواجهة حالة عدم اليقين على النطاق العالمي، واستمرارها في تعزيز أنشطة التنويع الاقتصادي، تؤكد التزامها القوي بتحقيق الازدهار على المدى الطويل».وأضافت «تعد السياسات الاستراتيجية لدعم المالية العامة، والاستثمارات المستهدفة، والتركيز القوي على الابتكار وريادة الأعمال، وخلق فرص العمل للشباب، ضرورة قصوى للحفاظ على النمو والاستقرار».تشير تقديرات صندوق النقد الدولي ومؤسسات دولية أخرى مثل البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى أن استمرار نمو القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي يعتمد بشكل كبير على قدرة هذه الدول على الحفاظ على الاستقرار المالي في ظل تقلبات أسعار النفط.إلى جانب ذلك، يجب على الدول أن تقوم بتعزيز مساهمة القطاع الخاص في الأنشطة الاقتصادية، كما أن مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، ورفع كفاءة وإنتاجية سوق العمل، تمثل عناصر جوهرية لتحفيز النمو المستدام بعيداً عن الاعتماد على العائدات النفطية.الخلاصة، يسير القطاع غير النفطي في دول مجلس التعاون الخليجي في مسار تصاعدي، لكنه لا يزال بحاجة إلى تسارع وتيرة الإصلاحات واستقرار السياسات لجذب رؤوس الأموال وتعزيز فرص العمل.التحول لن يتحقق بين ليلة وضحاها، لكنه بات أكثر وضوحاً على أرض الواقع، والأرقام تؤكد ذلك.