أطفال العالم: التحدي بين الجوع والبدانة.. تنبيه مبكر من توقعات 2025

تشير التقديرات الصادرة حديثاً إلى أن 150.2 مليون طفل دون سن الخامسة حول العالم يعانون من التقزم، أي قصر القامة نسبة إلى العمر، أي ما يعادل 23.2% من إجمالي الأطفال في هذه الفئة العمرية خلال عام 2024. وهو تراجع نسبي عن نسبة 26.4% المسجلة في عام 2012، لكنه يشير إلى تباطؤ خطير في وتيرة التحسن مقارنةً بالسنوات الماضية، بل إن بعض المناطق، مثل إفريقيا الوسطى، شهدت تدهوراً فعلياً في الأرقام.
رغم مرور أكثر من عقدين من التقدم النسبي في الحد من سوء تغذية الأطفال، فإن أحدث التقديرات المشتركة الصادرة عن اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي لعام 2025 دقت ناقوس الخط. وهو أن المكاسب المحققة باتت مهددة بالتآكل، وسوء التغذية بأشكاله المختلفة لا يزال ينتشر في مختلف أنحاء العالم، بل ويتخذ أشكالاً جديدة أكثر تعقيداً.
أما الهزال، وهو نقص الوزن بالنسبة للطول، فيهدد حياة 42.8 مليون طفل، بينهم 12.2 مليون يعانون من الهزال الشديد، وهو رقم يقل بنحو 8 ملايين طفل عن عام 2012، إلا أن التقديرات تؤكد أن الأرقام الفعلية قد تكون أعلى من ذلك بكثير، نظراً لعدم احتساب الحالات المتكررة على مدار العام.المفاجئ، وربما الأخطر، أن عدد الأطفال الذين يعانون من السمنة أو الوزن الزائد بلغ 35.5 مليون طفل، وهو رقم شبه ثابت منذ 2012، ما يعكس فشلاً واضحاً في احتواء تداعيات الأنظمة الغذائية غير الصحية وأساليب التسويق التجارية للأغذية المصنعة. أظهرت البيانات أن الأطفال الذكور أكثر عرضة للتقزم من الإناث في جميع مناطق العالم، في حين أن التفاوت بين الجنسين في السمنة ليس كبيراً، لكنه يميل لصالح الذكور كذلك.وعلى مستوى الدخل، فإن البلدان ذات الدخل المتوسط والأدنى، فرغم أنها تضم نصف أطفال العالم، تحتضن نحو ثلثي الأطفال الذين يعانون من التقزم وثلاثة أرباع الأطفال الذين يعانون من الهزال، ما يوضح التباين الحاد في مستويات الأمن الغذائي عالمياً.
الشرق الأوسط وغرب آسيا.. تفاوتات صارخة وخطر صامت
تشير البيانات إلى أن آسيا وإفريقيا تتحملان العبء الأكبر من سوء تغذية الأطفال، سواء في التقزم أو الهزال أو حتى الوزن الزائد.ففي عام 2024، عاش أكثر من نصف الأطفال المصابين بالتقزم في آسيا، بينما كان اثنان من كل خمسة في إفريقيا، أما الهزال، فتركز بنسبة 70% في آسيا، و27% في إفريقيا، وبالنسبة للسمنة، فإن 46% من الحالات في آسيا، و27% في إفريقيا.في منطقة غرب آسيا التي تشمل دول الخليج، العراق، سوريا، الأردن، لبنان، فلسطين، واليمن، بلغ معدل التقزم بين الأطفال 18% في عام 2024، بانخفاض طفيف عن 20% في 2012.ورغم أن الأرقام لا تبدو كارثية، فإن الخطر يكمن في الهزال الصامت، إذ تصل النسبة إلى 3.5% من الأطفال، وهو رقم مرشح للارتفاع في ظل الأزمات الممتدة في اليمن وسوريا ولبنان.من جهة أخرى، السمنة الطفولية أصبحت مصدر قلق كبير في الخليج، في السعودية والكويت والإمارات وقطر، تسجل نسب زيادة الوزن معدلات تتراوح بين 9% إلى 12%، وهي من بين الأعلى في المنطقة، مدفوعة بأنماط غذائية غير صحية وقلة النشاط البدني.ويحذّر التقرير من أن هذه الأرقام قد تكون أقل من الواقع الفعلي، لأنها لا تحتسب الحالات المتكررة طوال العام ولا تأخذ بعين الاعتبار مواسم الجفاف أو الأزمات الأمنية المتكررة.
دول شمال إفريقيا.. تحسّن نسبي لكن السمنة تتصاعد
في شمال إفريقيا التي تشمل دولاً مثل مصر، الجزائر، المغرب، تونس، وليبيا، شهدت معدلات التقزم بين الأطفال انخفاضاً من 23.1% عام 2012 إلى 18.1% عام 2024، وهو تحسّن يُحسب للجهود الوطنية في مجالات الصحة والرعاية الأولية، رغم الصعوبات الاقتصادية.لكن الجانب المقلق يتمثل في السمنة؛ فقد سجّلت المنطقة واحدة من أعلى نسب زيادة الوزن للأطفال في إفريقيا، إذ ارتفعت من 11.3% إلى 8.5% خلال الفترة نفسها، ما يعكس تحول الأنظمة الغذائية نحو الأطعمة المصنعة والسلوك الغذائي غير الصحي، خصوصاً في المناطق الحضرية.
بين اللاجئين والنازحين.. أزمة تغذية في الظل
لم يغفل التقرير كذلك عن أوضاع الأطفال اللاجئين، لا سيما في الأردن ولبنان وفلسطين وسوريا، إذ لا تزال البيانات منقوصة أو غير محدثة في بعض المناطق، وهو ما يفتح الباب أمام قلق مشروع من وجود أزمة تغذية غير مرئية وسط الأطفال في المخيمات ومناطق النزوح.رغم شحّ البيانات المحدثة، يشير التقرير الأممي إلى أن فلسطين تواجه وضعاً هشّاً ومركّباً في ما يخص تغذية الأطفال.ويعود ذلك إلى تقاطع عوامل عدّة تشمل الاحتلال المستمر، الحصار المفروض على قطاع غزة، الفقر المدقع، محدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والغذائية، وتكرار موجات التصعيد العسكري.في ظل غياب بيانات تفصيلية حديثة قابلة للمقارنة مع بقية دول المنطقة، إلا أن المعطيات المتاحة تشير إلى أن معدلات التقزم والهزال في صفوف الأطفال الفلسطينيين مرتفعة نسبياً في المناطق المحاصرة أو ذات الكثافة السكانية العالية.ويُعتقد أن غزة تحديداً تسجّل نسب تقزم تصل إلى ما بين 20% إلى 25%، خاصة في صفوف الأطفال دون الخامسة، وهو معدل يصنّف ضمن النطاق «المرتفع» وفق تصنيفات المنظمات الأممية.
هل العالم العربي على المسار الصحيح؟
تشير البيانات إلى أن نحو 40% من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لا تسجل أي تقدّم يُذكر في تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بسوء التغذية.بينما تسير دول الخليج وبعض دول المغرب العربي على الطريق الصحيح في ما يخص تقليل التقزم، فإن التحديات الكبرى ما زالت تكمن في مواجهة السمنة وتأمين أنظمة غذائية متوازنة وميسورة للجميع.سوء تغذية الأطفال ليس مجرد مسألة غذاء، بل هو انعكاس لفشل في السياسات الاجتماعية والصحية والتعليمية أيضاً.وإذا أرادت الدول العربية تجاوز هذا التحدي، فعليها الاستثمار الجاد في تحسين جودة الغذاء، دعم الرعاية الصحية الأولية، وتعزيز التوعية المجتمعية منذ الطفولة المبكرة.خلاصة الأمر، أن الطريق نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بتغذية الأطفال بحلول عام 2030 لا يزال مليئاً بالعقبات. تُصعّب غياب البيانات في بعض الدول، وتراجع التمويل، والصراعات المستمرة، إضافة إلى تغيرات المناخ، كلها عوامل مهمة القضاء على سوء التغذية.وبينما يشهد العالم موجات من الجفاف والأزمات الاقتصادية والصراعات، تظل صحة الطفل الحلقة الأضعف والمُعرّضة دوماً لدفع الثمن.