غزة: بين وقف إطلاق نار مؤقت وواقع الحصار.. أقل من 10% من المساعدات تصل بفعالية

بدأت شاحنات المساعدات الغذائية بالتحرك من مصر إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، كما أعلنت إسرائيل بدء تنفيذ «هدن إنسانية» من صباح الأحد في مناطق مكتظة بالسكان داخل القطاع، بما في ذلك شمال غزة، للسماح بمرور المساعدات وتوزيعها، وفقاً لما أكدته وزارة الخارجية الإسرائيلية.
رغم المساعدات الجوية.. أزمة الغذاء في غزة تتصاعد
في الوقت ذاته، يواصل برنامج الأغذية العالمي عملياته داخل القطاع رغم التحديات الأمنية واللوجستية، إذ كشف في تقريره الصادر في 25 يوليو تموز أن أكثر من 1,830 شاحنة أرسلت منذ إعادة فتح المعابر في مايو أيار، محملة بنحو 22 ألف طن من المساعدات الغذائية، لكنه أشار إلى أن هذه الكمية لا تمثل سوى جزء ضئيل مما يحتاج إليه سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من 2.2 مليون نسمة، لتجنب المجاعة.ورغم هذه التطورات، حذّرت الأمم المتحدة من أن الوضع الإنساني لا يزال هشاً وخطيراً، موضحة أن «الهدن المؤقتة» لم تترجم بعد إلى وصول منتظم وآمن للمساعدات داخل غزة، وسط استمرار القصف والازدحام حول طرق مرور القوافل والافتقار إلى التنسيق الميداني، كما أكد برنامج الأغذية العالمي أن ما يدخل القطاع لا يتجاوز 10% من الاحتياجات اليومية. وهي نسبة تعكس حجم ما تمكن البرنامج من إدخاله مقارنة بما يفترض توزيعه لتفادي الانهيار الإنساني.يعيش حالياً أكثر من 470 ألف شخص في ظروف تشبه المجاعة، أي المرحلة الخامسة من مؤشر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بينما يحتاج نحو 90 ألف طفل وامرأة إلى علاج فوري من سوء التغذية.
شاحنات غذائية تتحرك ببطء رغم الجوع المتصاعد
منذ إعادة فتح معابر غزة في 21 مايو أيار 2025، تمكن برنامج الأغذية العالمي من تفريغ 1,387 شاحنة محملة بما يزيد على 26 ألف طن متري من المساعدات الغذائية المنقذة للحياة، عند نقاط التجميع الحدودية في كرم أبو سالم (جنوب) وزيكيم (شمال)، بحسب التحديث التشغيلي الرسمي الصادر عن البرنامج في 25 يوليو تموز.إلّا أن الشاحنات داخل غزة تجبر على القدوم إلى تلك النقاط لتسلم المساعدات، ثم تواجه سلسلة من التأخيرات البيروقراطية والأمنية.
أما القوافل التي نالت الموافقة، فاضطرت للانتظار حتى 46 ساعة للحصول على الإذن النهائي بالتحرك داخل القطاع، بينما تنتظر حشود من الجائعين على الطرقات الضيقة التي تسمح بها السلطات، وهو ما يؤدي إلى ازدحام شديد ومخاطر أمنية.ويواجه سائقو الشاحنات المعتمدون كذلك نقصاً حاداً، إذ لم توافق السلطات سوى على 60 سائقاً حتى الآن لنقل الغذاء داخل غزة، وهو رقم لا يُلبي حجم الحاجة اليومية، ويبطئ وتيرة التوزيع بشكل كبير.وفي ظل هذه القيود، تكدس حتى تاريخ 25 يوليو تموز نحو 3,500 طن متري إضافية من المساعدات الجاهزة للتوزيع داخل نقاط الحدود، ما يعادل 300 شاحنة أخرى بانتظار التفريغ والنقل.
انهيار في التوزيع الميداني.. من 400 مركز إلى 4 فقط
فقد قطاع غزة منظومته الإغاثية الفعّالة بعد تهميش الأمم المتحدة لصالح مؤسسة محلية تُدعى «GHF» بدعم إسرائيلي، والتي تدير فقط أربعة مراكز توزيع، ثلاثة منها قرب مناطق قتالية في الجنوب، وفق صحيفة وول ستريت جورنال.بالمقارنة، كانت الأمم المتحدة تشرف سابقاً على 400 مركز موزعة في أنحاء القطاع.هذا التحول أدّى إلى تكدس طالبي المساعدات في مواقع غير آمنة، إذ تؤكد الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مقتل 1,060 فلسطينياً في أثناء محاولتهم الوصول إلى الغذاء منذ مايو أيار، بينهم 766 بالقرب من مواقع GHF و288 قرب قوافل الإغاثة.
المجاعة تلوح.. الأطفال في خطر وسوء تغذية يتضاعف
تؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) أن سوء التغذية بين الأطفال تضاعف بين مارس آذار ويونيو حزيران 2025، إذ أظهرت الفحوص أن 12.5% من الأطفال دون الخامسة يعانون سوء تغذية، مقابل 8.5% في الشهر السابق.وتشير وزارة الصحة في غزة إلى وفاة 101 شخص بسبب الجوع، بينهم 80 طفلاً.وقال مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، روس سميث، إن نحو 100 ألف امرأة وطفل بحاجة ماسة إلى علاج من سوء التغذية الحاد، مضيفاً أن «الناس يموتون يومياً بسبب نقص المساعدات، ونحن نشهد تصاعداً خطيراً يوماً بعد يوم».
إسقاط مساعدات إنسانية على قطاع غزة كما يبدو من نقطة على الحدود في جنوب إسرائيل، بتاريخ 27 يوليو 2025 (أ ف ب)
رغم جهود الموظفين المحليين، أكدت الأونروا أن 57% من الأدوية الأساسية نفدت بالكامل، بينما تعمل المولدات ساعتين فقط يومياً في مراكز الإيواء لتوفير المياه.
88 % من غزة خارج نطاق الإغاثة.. و1.9 مليون نازح
تشير بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن 88% من مساحة غزة إما ضمن مناطق عسكرية إسرائيلية أو مشمولة بأوامر إخلاء قسري، ما أدّى إلى تهجير أكثر من 1.9 مليون فلسطيني يعيشون في ملاجئ مدمرة أو خيام مكتظة في ظروف غير إنسانية.وفي الأسبوع الماضي، أصدرت القوات الإسرائيلية أوامر إخلاء عسكرية جديدة في دير البلح، شملت منشآت إنسانية ومراكز طبية ومستودعات، ما تسبب في تعليق نشاط ميداني لهيئات مثل منظمة الصحة العالمية ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع.
اتهامات متبادلة وتجميد للعمليات الدولية
تتهم إسرائيل الأمم المتحدة بعدم توزيع المساعدات بفاعلية، بينما ترد الأمم المتحدة أن المساعدات لا تصل أصلاً بكمية كافية، وأن التنسيق الميداني مع الجيش الإسرائيلي غير فعّال.كما لم يسمح بدخول أي مساعدات غذائية أو طبية للأونروا منذ 2 مارس آذار 2025، رغم وجود آلاف الشاحنات الجاهزة على المعابر.وفي ضوء التدهور المستمر، لم تصدر إسرائيل أي تأشيرات دخول جديدة للموظفين الدوليين في غزة، بينما يتولى 12 ألف موظف فلسطيني مهام التشغيل تحت التهديد والضغط النفسي.
مجاعة تلوح رغم التحرك الجزئي
بينما تحاول إسرائيل الترويج لمبادرات إنسانية محدودة كإسقاط المساعدات جواً وتوفير «ممرات إنسانية»، تؤكد الحقائق الميدانية المستقاة من التقارير الإعلامية المختلفة والأونروا وبرنامج الأغذية العالمي وأخبار الأمم المتحدة ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ووزارة الصحة في قطاع غزة، أن الوضع يزداد سوءاً.الفجوة بين حجم المساعدات المطلوبة وما يدخل القطاع وانهيار آليات التوزيع وتدمير البنية الصحية كلّها مؤشرات على أن غزة تواجه كارثة إنسانية بحجم مجاعة ما لم يتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار واستئناف عمل المنظمات الدولية دون عوائق.