قلق من حدوث أزمة غذائية في الولايات المتحدة نتيجة حملات الهجرة

تواجه الولايات المتحدة تحدياً متصاعداً يهدد أمنها الغذائي، في ظل استمرار حملات المداهمة التي تنفذها سلطات الهجرة الأميركية ضد العمال غير الموثقين، وهي حملات اشتدت وتيرتها مع تصاعد الخطاب المناهض للهجرة في الساحة السياسية، خاصة خلال الفترة التي أعقبت عودة الرئيس دونالد ترامب إلى دائرة التأثير السياسي.
ويرى مراقبون أن هذه السياسات لا تعالج جوهر المشكلة، بل تنذر بانهيار تدريجي للقدرة الإنتاجية الزراعية، وتهدد بارتفاع أسعار الغذاء، بل وقد تؤدي إلى لجوء البلاد إلى الاستيراد من الخارج لتعويض النقص المحلي.
عمال بلا أوراق
تشير الإحصائيات الصادرة عن وزارة الزراعة الأميركية إلى أن نحو 42% من عمال المزارع لا يحملون تصاريح عمل رسمية، ورغم محاولات السلطات توفير حلول مؤقتة عبر إصدار تصاريح موسمية للعمال الأجانب، فإن هذه الإجراءات تبقى غير كافية، خاصة أن الكثير من الأنشطة الزراعية تتطلب تواجداً دائماً للعمال على مدار العام.
وتُظهر بيانات وزارة العمل الأميركية أن عدد الوظائف المعتمدة ضمن برنامج العمال الزراعيين المؤقتين قد تضاعف تقريباً بين عامي 2014 و2024، ما يؤكد حجم الاعتماد الكبير على هذه الفئة في دعم الإنتاج الزراعي.ومع تزايد المداهمات التي تقوم بها سلطات الهجرة في المزارع والمراكز الزراعية، بدأت تظهر نتائج سلبية ملموسة، أبرزها النقص الحاد في اليد العاملة، ما يؤدي إلى تأخر أو توقف عمليات الحصاد، وفساد المحاصيل، وتعطل عمليات التعبئة والتوزيع. ويمتد الأثر إلى سلاسل التوريد كافة، بما في ذلك النقل والتخزين والتسويق، الأمر الذي يُهدد برفع أسعار السلع الأساسية في الأسواق المحلية.
الزراعة في خطر
كما يحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار هذه الإجراءات دون حلول بديلة فعّالة قد يؤدي إلى تراجع الإنتاج الوطني من المحاصيل الرئيسية، ما يُجبر الولايات المتحدة على الاعتماد بشكل أكبر على الاستيراد، وهو ما قد يُعرّض الأمن الغذائي القومي لمخاطر حقيقية، خصوصاً في أوقات الأزمات العالمية أو تقلبات الأسواق.ويرى مختصون في السياسات الزراعية أن الحل لا يكمن فقط في ضبط الحدود أو ملاحقة العمال، بل في إقرار تشريعات تضمن مسارات قانونية آمنة وعادلة لتوظيف العمالة المهاجرة، بما يحمي حقوقهم ويضمن استمرارية القطاع الزراعي الحيوي. كما يدعون إلى تطوير نظام عمل مرن يلبي احتياجات المزارعين، ويحمي الاقتصاد من تبعات نقص اليد العاملة.وفي ظل هذه المعطيات، تبقى العلاقة بين سياسات الهجرة والاقتصاد الزراعي الأميركي قضية شائكة، تتطلب توازناً دقيقاً بين الأمن القومي والاحتياجات الاقتصادية، بما يضمن استدامة الأمن الغذائي وحماية سلاسل الإمداد في واحدة من أكثر الدول إنتاجاً واستهلاكاً للغذاء في العالم.(أ ف ب)