بين رياضة الغولف والاقتصاد… ترامب يسعى لإبرام اتفاق تجاري مع أوروبا من إسكتلندا

بين رياضة الغولف والاقتصاد… ترامب يسعى لإبرام اتفاق تجاري مع أوروبا من إسكتلندا

في وقت تتصاعد فيه التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، توجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إسكتلندا في زيارة تجمع بين الطابع الشخصي والاقتصادي، حيث من المتوقع أن يعقد محادثات مع قادة أوروبيين بشأن اتفاق تجاري يهدف إلى تجنب فرض رسوم جمركية أميركية جديدة على واردات القارة. وبينما يقضي الرئيس جزءاً من زيارته في منتجعات الغولف التابعة له، تؤكد واشنطن أن المحادثات المرتقبة قد تمهد لاتفاق يُوصف بأنه «الأهم على الإطلاق» بين الطرفين.
عطلة في ملاعب الغولف

ورغم أن البيت الأبيض وصف رحلته التي تستمر خمسة أيام بأنها «زيارة عمل»، فإن جدول أعمالها الرسمي يبدو خفيفاً، من المقرر أن يعقد ترامب محادثات تجارية الأحد مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، كما سيجتمع الإثنين برئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.وقال ترامب لدى مغادرته البيت الأبيض يوم الجمعة: «لدينا أملاك كثيرة في إسكتلندا»، مشيراً إلى روابطه العائلية بالمنطقة، مضيفاً: «أكنّ لها الكثير من الحب».ورغم احتجاجات المتظاهرين في إسكتلندا السبت، فإن هذه الزيارة تأتي كاستراحة صيفية بعد ستة أشهر متوترة في منصبه، تخللتها أزمة سياسية متفاقمة على خلفية تعامل إدارته مع قضية جيفري إبستين، رجل الأعمال المتهم بالاتجار بالبشر وصديق ترامب السابق.وفي كل مرة تقريباً تحدث فيها ترامب إلى الصحفيين خلال الأسابيع الأخيرة، كانت الأسئلة تتكرر حول علاقاته بإبستين، وسط شكوك متزايدة أثارها معارضوه وحتى بعض أنصاره، وكشفت تقارير جديدة عن علاقات شخصية سابقة تربطه برجل المال المدان، ما أبقى القضية في الواجهة.وتمنح زيارة إسكتلندا الرئيس فرصة للتركيز على ملفات يفضلها، مثل الصفقات التجارية، ومشاريعه العائلية، وملاعب الغولف، ورغم حب ترامب المُعلن لبلاد والدته، فإن علاقته بالإسكتلنديين لم تكن دائماً ودّية، إذ أثارت مشاريعه العقارية الفاخرة في العقود الأخيرة اعتراضات واسعة من السكان المحليين.وقالت إحدى المتظاهرات، فيونا ماكفرسون، السبت: «ما فعله في أبردينشير وكيف أرهب السكان هناك، يُظهر أنه ليس شخصاً طيباً، أميركا كانت حليفتنا لفترة طويلة، لكن اليوم أصبحت مصدر إحراج».افتتاح ملعب غولف جديدوتتوج زيارة ترامب بمراسم افتتاح ملعب غولف جديد مكوّن من 18 حفرة على الساحل الشمالي الشرقي، أُطلق عليه اسم «ملعب ماكلاود» تكريماً لوالدته ماري آن ماكلاود، المولودة عام 1912 في جزيرة لويس، والتي هاجرت إلى نيويورك عام 1930 وتزوجت من فريد ترامب عام 1936، وتوفيت عام 2000، ولا تزال صورتها بالأبيض والأسود تزيّن مكتب الرئيس في البيت الأبيض.وتستعد السلطات الإسكتلندية منذ أسابيع لهذه الزيارة، إذ أعلنت الشرطة أن العملية الأمنية هي الأكبر منذ وفاة الملكة إليزابيث الثانية عام 2022، بمشاركة وحدات أمنية محلية ووطنية وخاصة.لكن الأجواء العامة تجاه ترامب كانت بعيدة عن الترحيب، إذ نشرت صحيفة The National ذات التوجهات اليسارية الجمعة، عنواناً لاذعاً على صفحتها الأولى: «مجرم مدان من الولايات المتحدة يصل إلى إسكتلندا».كما نظم ائتلاف «أوقفوا ترامب في إسكتلندا» احتجاجات في أبردين وأمام القنصلية الأميركية في إدنبرة ضمن ما أطلقوا عليه «مهرجان المقاومة»، بمشاركة مئات المتظاهرين الذين رفعوا لافتات ورددوا شعارات مناهضة لترامب.لكن الرئيس لم يعلق على هذه الاحتجاجات عند وصوله الجمعة ليلًا، بل أبدى حماسه للقاء الوزير الأول الإسكتلندي جون سويني، المعروف بانتقاداته لترامب، والذي أيد علناً نائبة الرئيس كامالا هاريس في انتخابات سابقة، وقال ترامب للصحفيين: «إنه رجل طيب، أتطلع للقائه».اجتماع ترامب مع فون ديرلاينومع تصاعد المحادثات التجارية، أعلنت أورسولا فون دير لاين الجمعة أنها ستجتمع بترامب الأحد في إسكتلندا «لمناقشة العلاقات التجارية عبر الأطلسي وكيفية تعزيزها».وكان ترامب قد صرح سابقاً بأن احتمالات التوصل إلى اتفاق تجاري مع الاتحاد الأوروبي «خمسون بخمسين»، مضيفاً أن إدارته «تعمل بجدية بالغة» مع أوروبا.وتأتي هذه المحادثات وسط تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات من أوروبا بدءاً من الأول من أغسطس، وهو ما يدفع الاتحاد الأوروبي إلى تسريع إبرام اتفاق لتفاديها.وعلى الرغم من مواقف ترامب العدائية السابقة تجاه الاتحاد الأوروبي، ووصفه بأنه «تأسس للإضرار بالولايات المتحدة»، فإنه أعرب الجمعة عن تفاؤله بإبرام اتفاق، واصفاً إياه بأنه «قد يكون الأهم على الإطلاق».ويُعدّ هذا الظهور الأول لترامب في إسكتلندا منذ عام 2023، حين وضع حجر الأساس للملعب الجديد، لكن عودته هذه المرة كرئيس حالي أثارت استياء سياسيين، من بينهم زعيم حزب الخضر باتريك هارفي، الذي وصف ترامب بأنه «مجرم مدان ومتطرف سياسي»، وأضاف: «لا مبرر لمحاولة التقرب من أجندته السياسية الفاشية المتزايدة».لقاء ستارمرورغم أن الغولف هو النشاط الأبرز خلال هذه الرحلة، فإن المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت أكدت أن الرحلة «زيارة عمل تتضمن اجتماعاً ثنائياً مع رئيس الوزراء ستارمر لمناقشة الاتفاق التجاري التاريخي بين البلدين».ويُذكر أن ستارمر سعى إلى بناء علاقة قوية مع ترامب، حيث زار البيت الأبيض في فبراير الماضي، واستمرت الاتصالات بين الطرفين بشأن التجارة والدعم العسكري لأوكرانيا، وبحسب مصادر بريطانية، فإن لقاء الاثنين لن يحمل الكثير من النتائج المتوقعة، بل يُعدّ تمهيداً لزيارة دولة رسمية مرتقبة في سبتمبر بدعوة من الملك تشارلز الثالث في قلعة وندسور، وهي أول زيارة من هذا النوع منذ أن استضافت الملكة إليزابيث ترامب عام 2019.وتمثل هذه الزيارة خامس رحلة دولية لترامب منذ عودته إلى الرئاسة، حيث شارك سابقاً في جنازة البابا فرنسيس في روما، وزار الشرق الأوسط، والتقى بقادة مجموعة السبع في كندا، وحضر قمة الناتو في لاهاي.وكتب أنس سروار، زعيم حزب العمال الإسكتلندي، في مقال بصحيفة تايمز اللندنية في أبريل الماضي: «حب ترامب لإسكتلندا حقيقي، بغض النظر عن موقف الناس من سياساته، كما أن استثمارات عائلته في أيرشاير وأبردينشير حقيقية وذات أثر».وتُعد هذه الرحلة الأولى التي يُبنى جدولها بالكامل تقريباً حول عطلة نهاية أسبوع من الغولف، ووفق البيت الأبيض شارك ترامب صباح السبت في مباراة غولف مع السفير الأميركي في بريطانيا وورين ستيفنز وابنه، كما يرافقه في الرحلة نجلاه إريك ودونالد جونيور.وعلى الرغم من انتقاده المستمر لأسلافه بسبب ممارستهم للغولف، ودعوته مؤخراً مجلس الشيوخ الجمهوري لإلغاء عطلته الصيفية، فإن ترامب لا يجد حرجاً في الاستمتاع برياضته المفضلة في أي وقت من السنة، سواء في منتجعاته بفلوريدا شتاءً أو في نيوجيرسي وفيرجينيا صيفاً.وسيقيم الرئيس ثلاث ليالٍ في منتجع «ترامب تورنبيري» الفاخر المطل على البحر الإيرلندي، والذي اشتراه عام 2014، كما سيقضي ليلة واحدة في منتجعه في أبردينشير، ويشارك في الحدث العلني الوحيد على جدول أعماله: مراسم تدشين ملعب الغولف الجديد.وأعرب ترامب عن أمله في أن تستضيف ملاعبه بطولة «البريتيش أوبن» مرة أخرى، علماً أن آخر مرة استُخدم فيها ملعب «تورنبيري» للبطولة كانت عام 2009 قبل خمس سنوات من شرائه المنتجع، لكن منظمّي البطولة أشاروا إلى أن نقص الفنادق وبعض مشكلات البنية التحتية حال دون اختيار تورنبيري، إضافة إلى حساسية سياسية ألقت بظلالها على القرار.وفي إعلان نُشر في صحيفة The National، ناشد نشطاء الرأي العام عدم منح البطولة لترامب، وجاء فيه: «لا تسمحوا لخطاب ترامب الانقسامي بأن يسيطر على هذا الحدث العظيم، افعلوا الصواب، لا تمنحوا البطولة لترامب تورنبيري».