من يمتلك الخوارزميات يتحكم في السوق: منافسة العقول بين وادي السيليكون والصين

في عام 2023 أعلن مكتب الملكية الفكرية العالمي (WIPO) تسجيل الصين لأكثر من 38,000 براءة اختراع في مجال الذكاء الاصطناعي، مقارنة بـ6,276 فقط للولايات المتحدة الأميركية، ما يعكس تفوقاً بنحو ستة أضعاف، هذه المحصلة ليست رقماً تقنياً عابراً، بل مؤشراً على أن “الاقتصاد التالي” بات يُكتب بخوارزميات الكود والشفرة، وليس ببرميل النفط.
وادي السيليكون والصيني.. منافسة الذكاء العالمي
وظائف جديدة: خوارزميات تُعيد تشكيل سوق العمل
الهند وأوروبا.. قوى ثالثة في ميدان الذكاء الاصطناعي
وعلى الرغم من الصراع الذي يبدو ثنائي القطب (أميركا والصين)؛ فإن الهند وأوروبا تسعيان لفرض موقع ثالث في هذا السباق المحموم، فالهند، بما تملكه من مخزون بشري هائل ومتمكن تقنياً، تُعد اليوم المورد الأول عالمياً لمهندسي الذكاء الاصطناعي العاملين عن بُعد، أما أوروبا فتحاول قيادة «أخلاقيات الذكاء» عبر تشريعات لحماية الخصوصية وتعزيز الشفافية.
البيانات.. معركة السيادة الرقمية الجديدة
الصين ستسيطر على نحو 27.8% من البيانات بحلول نهاية عام 2025، مقابل 17.5% فقط للولايات المتحدة الأميركية، وذلك بحسب تقرير IDC وSeagate.هذه الهيمنة تمنح الصين قدرة هائلة على تدريب خوارزميات أكثر تعقيداً وتطوراً خصوصاً في مجالات المدن الذكية، التعرف على الوجه، تحليل السلوك الجماعي وغيرها، لم تعد البيانات مجرد مورد تقني، بل أصبحت سلاحاً اقتصادياً استراتيجياً في معركة النفوذ العالمي.
التعليم والتأهيل.. الاستثمار البشري الحاسم
في سباق السيطرة على المستقبل، أطلقت الولايات المتحدة استثمارات فيدرالية ضخمة تتجاوز 1.5 تريليون دولار خلال العقد المقبل لتطوير البنية التحتية الرقمية والتعليم التقني، في حين تعزز الصين مسارات تعليم الذكاء الاصطناعي في التعليم العام والجامعي، وتحوّل مدناً بأكملها إلى مختبرات مفتوحة للابتكار.
التنظيم العالمي.. من يحكم الخوارزميات؟
مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، تتعالى الدعوات لتشكيل «مجلس دولي للذكاء الاصطناعي» يشبه دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان الاستخدام المسؤول والعادل للخوارزميات، غياب تنظيم دولي حتى الآن يسمح بتفاوت هائل في مستوى الرقابة بين دولة وأخرى، وهو ما قد يؤدي إلى فوضى رقمية عالمية.
الاقتصاد الأخضر والخوارزميات
بخلاف التصور الشائع، تُمثّل الخوارزميات قوة حاسمة في تسريع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، إذ تُستخدم نظم الذكاء الاصطناعي اليوم في تحسين كفاءة شبكات الطاقة، والتنبؤ بالمخاطر البيئية، وتساعد في تصميم مدن منخفضة الانبعاثات، ومن يهيمن على هذه التطبيقات لن يتحكم فقط في السوق، بل يرسم ملامح مستقبل الكوكب.
الجنوب العالمي.. هل يبقى متفرجاً؟
الدول النامية تواجه خطر التأخر إذا لم تسارع ببناء بنية تحتية رقمية مستقلة، فالاعتماد الكامل على منصات الذكاء الاصطناعي المستوردة قد تؤدي إلى ما يُشبه «استعماراً خوارزمياً ناعماً» إذ تُصبح القرارات الاقتصادية والاجتماعية مرهونة بخوارزميات لم تُصمّم في سياقاتها الثقافية والاجتماعية.
الثقة قبل السيطرة
تشير نتائج مؤشر الثقة العالمي الصادر عن Edelman لعام 2024 إلى أن 61% من المشاركين حول العالم يثقون بشكل أكبر بتقنيات الذكاء الاصطناعي المطورة في دول غربية ذات أطر تنظيمية واضحة، ما يعكس أن التفوق في هذا الميدان لم يعد يُقاس فقط بالتطور التقني، بل بقدرة الشركات على ترسيخ الثقة المؤسسية والمجتمعية.ونحن في قلب حرب اقتصادية جديدة لا تُقاس بالبترول أو المعادن، بل بالخوارزميات والبيانات، الفائز الحقيقي هو من يطرّز تفوقه التقني بدعامة المصداقية الأخلاقية، ومن يكتب الخوارزمية القادرة على تحقيق النمو دون فقدان الثقة.من انطلاق الذكاء الاصطناعي، إلى توسّع إمبراطوريات البيانات، وصولاً إلى ظهور وظائف لا تحمل أسماء بعد، يبقى السؤال الأهم: من يكتب السطر الأخير في هذه المعركة الصامتة؟