أوروبا تتجنب خطر الإفلاس بشكل مؤقت.. لكن هل سيكون التعافي دائماً؟

أوروبا تتجنب خطر الإفلاس بشكل مؤقت.. لكن هل سيكون التعافي دائماً؟

بعد سنوات من الدعم الاستثنائي خلال جائحة كوفيد-19، بدأت الشركات الأوروبية تواجه الواقع الاقتصادي الصعب، أسهم تشديد السياسات النقدية، إلى جانب تباطؤ النمو، في دفع معدلات الإفلاس نحو الأعلى منذ عام 2022. لكن في بداية 2025، ظهرت مؤشرات أولية على تهدئة في هذا الاتجاه، مع تفاوت واضح بين الدول والقطاعات.شهدت أوروبا الغربية ارتفاعاً مستمراً في حالات الإفلاس منذ 2022، لكنه بدأ يتباطأ منذ الربع الأول من 2024، بناءً على تقرير لبي أن بي باريبا.
كان هذا الارتفاع متوقعاً، نظراً لانتهاء الدعم الحكومي الذي حافظ على حياة شركات كانت ستخرج من السوق لولا المساعدات.كما أن تشديد السياسة النقدية منذ 2022 زاد من كلفة التمويل، وأثر على استمرارية الأعمال.

لكن تشير البيانات الأخيرة إلى تفاوت كبير بين الدول، ففي حين سجّلت المملكة المتحدة مستويات تاريخية من الإفلاس خلال 2023 و2024، بدأت الأرقام في التراجع الطفيف.أما فرنسا، فسجّلت أكثر من 67 ألف حالة إفلاس سنوياً بحلول أبريل نيسان 2025، وهو مستوى لم يُر منذ 1991، لكن وتيرة الزيادة هدأت.شهدت ألمانيا وإيطاليا زيادات معتدلة ومستمرة، بينما ما زالت هولندا عند نصف متوسطها التاريخي، والسويد تضاعفت إفلاساتها تقريباً.

القطاعات المتأثرة.. الخدمات والتجارة في المقدمة والصناعة الأقل تضرراً

يعتبر قطاع الخدمات هو الأكثر تأثراً في معظم الدول، خصوصاً في فرنسا والمملكة المتحدة، إذ ارتفعت إفلاسات شركات الخدمات التجارية والمطاعم والإيواء.سجّلت التجارة والبناء أيضاً ارتفاعات، لكن بنسب متفاوتة بين دولة وأخرى. بالمقابل، حافظت الصناعة على استقرار نسبي، باستثناء ألمانيا التي تعاني من تراجع حاد في الإنتاج الصناعي وانخفاض تصاريح البناء.

هل تواصل البنوك الإقراض رغم التحديات؟

الخبر الجيد أن البنوك الأوروبية ما زالت صامدة، ورغم ارتفاع القروض المتعثرة منذ أدنى مستوياتها في 2023، من 173 إلى 184 مليار يورو في نهاية 2024، فإن النسبة بقيت منخفضة تاريخياً عند 3.41% فقط. ارتفعت القروض الجديدة للشركات بنسبة 16.5% بين ديسمبر كانون الأول 2021 و2024، رغم أن متوسط الفائدة ارتفع من 1.24% إلى 4.24%.أكثر من 85% من البنوك لم تغيّر معايير الإقراض رغم زيادة المخاطر، حسب بيانات البنك المركزي الأوروبي، ويبدو أن البنوك لا تزال تملك هوامش كافية لامتصاص أي تدهور محتمل، خصوصاً مع تحسّن هوامش الربحية وانخفاض التكاليف التشغيلية بفعل التباطؤ التضخمي.في فرنسا، يعود تسارع حالات الإفلاس إلى زيادة تأسيس الشركات الصغيرة في قطاع الخدمات. فالشركات الجديدة في هذا القطاع تمثل الآن 69% من إجمالي التأسيسات، مقابل 59% في 2015.رغم ذلك، فإن نسبة القروض المتعثرة للشركات المفلسة تبقى عند 0.52% فقط من إجمالي القروض، ما يشير إلى أن التأثير البنكي لا يزال محدوداً، لكن الشركات الصغيرة جداً تسجّل معدلات تعثر أعلى من المتوسط التاريخي، ما يعكس هشاشتها.ورغم أن الاقتصاد الألماني عانى من ركود منذ نهاية 2021 وحتى نهاية 2024، فإن الإفلاسات بقيت ضمن نطاق تاريخي منخفض، قطاع العقارات هو الاستثناء، إذ سجّل أرقاماً مشابهة لأزمة 2009.في المقابل، تأثرت الصناعة بشدة، إذ تراجعت نسبة القروض المتعثرة في هذا القطاع إلى 5% في نهاية 2024، وهي الأعلى أوروبياً.بعد موجة إفلاسات حادة، بدأت المملكة المتحدة تُظهر علامات تعافٍ خجولة. انخفضت حالات التأخر في الدفع من 15.6 يوم في 2022 إلى 12.2 يوم في منتصف 2024، كما تراجعت نسبة المدفوعات المتأخرة لأكثر من 90 يوماً من 5.7% إلى 2.9%.إلا أن استمرار هذا التحسن يظل مرهوناً بقدرة الحكومة على الموازنة بين خفض العجز ودعم النشاط الاقتصادي، خاصة في ظل الضغوط على أسعار الفائدة طويلة الأجل.رغم ارتفاع الإفلاسات مؤخراً، لا تزال الأرقام أقل بكثير من المستويات التاريخية، يُظهر القطاع العقاري والإنتاج الصناعي استقراراً، في حين أن قطاع البناء ما زال يسجّل ارتفاعاً مقلقاً.تحسن أداء إيطاليا في سوق القروض المتعثرة والنسبة بقيت دون 4% منذ 2023، رغم انتهاء الضمانات الحكومية.بينما أدى التغيير في التشريع الإسباني إلى قفزة في عدد الإفلاسات منذ 2021، لكنه لا يعكس تدهوراً حقيقياً. تراجعت نسبة القروض المتعثرة بشكل كبير في 2024، لتصبح أقل من المتوسط الأوروبي.لا يزال القطاع العقاري متماسكاً، والمخاطر تتركز حالياً في تجارة التجزئة، إذ بلغت المدفوعات المتأخرة لأكثر من 90 يوماً نحو 6.95% في نهاية 2024.رغم التباطؤ الملحوظ في وتيرة الإفلاس عبر أوروبا الغربية، فإن الظروف لا تسمح بالتفاؤل الزائد، القطاعات الخدمية والشركات الصغيرة لا تزال في وضع هش، والتباين بين الدول يعكس تفاوتاً في صلابة البنية الاقتصادية والمالية.تراجع استمرار أسعار الفائدة قد يسهم في استقرار الأوضاع، لكن معدلات النمو المتواضعة والضغوط الجيوسياسية قد تُبقي احتمالات التحسن محدودة.