لماذا يجب على البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض سعر الفائدة بشكل عاجل؟

لماذا يجب على البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض سعر الفائدة بشكل عاجل؟

تعيش الأسواق العالمية حالة من الحيرة والتردد بشأن مستقبل السياسة النقدية الأميركية، في ظل تضخم لا يزال مرتفعاً -حيث يستقر المؤشر الأساسي قرب مستوى 3%- في الوقت الذي تظهر فيه إشارات واضحة على ضعف في وتيرة نمو الاقتصاد الأميركي.هذا الواقع المعقّد يخلق انقساماً بين توجهين رئيسيين داخل الأسواق وصنّاع القرار:

• فريق يرى ضرورة تثبيت الفائدة لفترة أطول بهدف مواصلة الضغط على التضخم المرتفع.
• وفريق آخر يدعو إلى خفض الفائدة فوراً لتحفيز النمو الاقتصادي ومنع حدوث تباطؤ أشد قد يؤدي إلى ركود.في هذا السياق، تتوقع الأسواق أن يُبقي الفيدرالي الأميركي على معدلات الفائدة دون تغيير في اجتماعه نهاية الشهر الحالي (يوليو)، بينما ترتفع احتمالات خفضها بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع سبتمبر إلى نحو 58%.لكن لماذا نؤيد خفض الفائدة فوراً؟نحن نؤيد هذا التوجه ونرى أنه بات ضرورياً لعدة أسباب، أبرزها تراجع ملحوظ في بيانات مهمة وحساسة تمس جوهر الاقتصاد الأميركي:أولاً، عند النظر إلى أحدث قراءة لعدد الوظائف الجديدة المضافة في القطاعات غير الزراعية، نلاحظ أنه لأول مرة منذ جائحة كورونا يتم تسجيل ثلاثة أشهر متتالية دون تجاوز عتبة 200 ألف وظيفة شهرياً، وهو مؤشر واضح على أن عمليات التوظيف بدأت تتباطأ بشكل مقلق.ثانيًا، بدأ المستهلك الأميركي يتأثر سلباً بمعدلات الفائدة المرتفعة، حيث تُظهر التقديرات الخاصة بالربع الثاني من هذا العام أن شركات الاستهلاك الأساسي والكماليات تتجه لتسجيل تراجع في صافي الأرباح بنحو 3%، وهو ما يعكس ضعفاً في القدرة الشرائية، هذا الضعف يتناغم كذلك مع البيانات الأخيرة لمبيعات التجزئة الأساسية، إذ تُظهر آخر ثلاث قراءات نمواً هزيلاً بمتوسط 0.1% فقط، في حين أن المتوسط السابق لكل ثلاثة أشهر كان يتراوح بين 0.3% و0.4%.ثالثاً، تكتمل الصورة بارتفاع معدل تعثر السداد من المقترضين، سواء عبر بطاقات الائتمان أو القروض الاستهلاكية، فبحسب بيانات الفيدرالي الأميركي، فإن نسبة التعثر التي تراوحت مؤخراً بين 2.5% و3% تُعد الأعلى منذ عام 2012.ورغم أن هذه النسبة لا تزال ضمن مستويات مقبولة، فإنها تعكس ضغوطاً حقيقية على الأفراد، كما أن تعثر سداد الرهون العقارية قد يُصبح واقعاً في حال استمرت هذه الضغوط دون تدخل نقدي.رابعاً، وفق بيانات الفيدرالي، فإن معدلات تعثر القروض في البنوك الصغيرة –خارج قائمة أكبر 100 بنك– تُعد مرتفعة، ما يشكل تهديداً للاستقرار المالي المحلي ويزيد من هشاشة النظام المصرفي في القطاعات الأضعف.خامساً، على صعيد الأعمال ووفق المحاكم الفيدرالية، فقد سجل النصف الأول من عام 2025 عدداً من طلبات الإفلاس يفوق إجمالي ما تم تسجيله في عام 2024، ما يعكس الأثر السلبي المباشر لمعدلات الفائدة المرتفعة على بيئة الأعمال والقدرة التشغيلية.ويبقى السؤال المحوري:هل يمكن للفيدرالي الأميركي خفض معدلات الفائدة في الوقت الذي ترتفع فيه الرسوم الجمركية، ويُتوقع فيه أن يعود التضخم للارتفاع؟الإجابة: نعم. لأن جزءاً من هذا التضخم سيكون ناتجاً عن ارتفاع التكاليف، أو ما يُعرف بتضخم التكاليف (Cost-Push Inflation)، وهو النوع الذي لا يستطيع الفيدرالي السيطرة عليه من خلال أدواته التقليدية، كرفع الفائدة، أما الجزء الآخر من التضخم، وهو المرتبط بالطلب (Demand Inflation)، فيمكن تقديره عبر بيانات الاستهلاك والنمو والتوظيف، وجميعها تشير حالياً إلى ضعف ملحوظ في الطلب.بالتالي، حتى مع ارتفاع التضخم المتوقع بسبب الرسوم الجمركية، فإن التضخم المرتبط بالطلب يبدو تقديرياً أنه بات أقرب إلى هدف الفيدرالي، في حين أن التضخم المرتبط بالتكاليف سيكون أعلى بكثير.ولهذا فإننا نرى أن هناك ضرورة مرتفعة لخفض الفائدة سواء في اجتماع يوليو أو سبتمبر، لأن إبقاءها مرتفعة في هذه الظروف قد يؤدي إلى أضرار اقتصادية أوسع نطاقاً من الفائدة المرجوّة من كبح تضخم لا يمكن التحكم فيه عبر أدوات السياسة النقدية.تم إعداد هذه المقالة لصالح CNN الاقتصادية، والآراء الواردة فيها تمثّل آراء الكاتب فقط ولا تعكس أو تمثّل بأي شكل من الأشكال آراء أو وجهات نظر أو مواقف شبكة CNN الاقتصادية.