لأول مرة في العصر الحديث.. مدينة تعاني من نقص حاد في المياه

في قلب آسيا، وعلى ارتفاع أكثر من 1800 متر فوق سطح البحر، تترنح كابل، عاصمة أفغانستان، على حافة كارثة غير مسبوقة، وهي مدينة بأكملها على وشك أن تعطش.
معاناة يومية
مع شروق الشمس فوق جبال كابل الجافة، تبدأ يومياً معاناة عائلة أفغانية في البحث عن الماء ومحاولة ترشيد استهلاكه لأقصى حد ممكن.
تؤكد أن المياه التي تحصل عليها بالكاد تكفي، وسعرها المرتفع يثقل كاهل ميزانية الأسرة ويضاعف توترها اليومي.تقول راحيلة لشبكة CNN «لا نحصل على مياه الشرب إطلاقاً، أزمة المياه تؤثر على تفاصيل حياتنا اليومية».
كابل تقترب من كارثة غير مسبوقة
وفقاً لتقرير حديث صادر عن منظمة «ميرسي كوربس» غير الحكومية، فإن كابل قد تصبح أول عاصمة في العصر الحديث تجف بالكامل، ما قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي واسع.ويشير خبراء إلى أن النمو السكاني، وتفاقم أزمة المناخ، والاستخراج الجائر للمياه الجوفية، كلها عوامل أسهمت في انخفاض منسوب المياه، إذ جفت نحو نصف الآبار في المدينة.وتضيف راحيلة «ندفع المال مقابل كل قطرة ماء، وعلينا استخدامها بحذر بالغ، حتى لو تطلب ذلك التخلي عن الطعام أو مستلزمات ضرورية أخرى.. نحن قلقون للغاية، وإن لم تتحسن الأحوال، لا أعلم كيف سنبقى على قيد الحياة».
أزمة متعددة الأوجه
تحذر «ماريانا فون تسان»، مديرة البرامج في «ميرسي كوربس» في أفغانستان، من أن «الأمر لا يقتصر على المياه فقط، بل هو أزمة صحية واقتصادية وإنسانية شاملة».فمنذ ثلاثة عقود فقط، كان عدد سكان كابل أقل من مليوني نسمة، إلا أن سقوط طالبان عام 2001 أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين بحثاً عن الأمان والفرص الاقتصادية.وتعتمد كابل بشكل شبه كامل على المياه الجوفية التي تغذيها ذوبان الثلوج من جبال هندوكوش، لكن سوء الإدارة والاستخراج المفرط على مدى سنوات تسبب في انخفاض مستويات المياه بنحو 30 متراً خلال العقد الأخير، حسب «ميرسي كوربس».تستخرج كابل اليوم نحو 44 مليون متر مكعب من المياه الجوفية سنوياً أكثر مما يمكن للطبيعة تعويضه، ما يخلق فجوة خطيرة تُستنزف معها موارد المدينة المالية والطبيعية.
حفر عميق ومياه ملوثة
بعض الأسر، مثل أسرة «أحمد ياسين»، اضطرت إلى حفر آبار عميقة بحثاً عن الماء، ياسين البالغ من العمر 28 عاماً، يعيش مع عائلته المكونة من 10 أفراد، وكان ينتظر لساعات يومياً عند مسجد قريب لتعبئة المياه. ومع الوقت، قرر مع شقيقه حفر بئر في ساحة المنزل، بتكلفة بلغت 40 ألف أفغاني، أي نحو 550 دولاراً، بعد أشهر من الادخار والتقشف في الطعام.يقول ياسين «حفرنا حتى عمق 120 متراً لنصل إلى الماء، ورغم أننا نستخدمه للأغراض اليومية، فإنه غير صالح للشرب».ويضيف «لا نملك المال لشراء جهاز تنقية، لذلك نغلي الماء لفترات طويلة قبل أن نستخدمه للشرب».ووفقاً لـ«ميرسي كوربس»، فإن نحو 80% من المياه الجوفية في كابل ملوثة بسبب كثرة استخدام المراحيض البدائية والنفايات الصناعية، ما يتسبب في حالات إسهال وقيء مزمنة.يقول «سيد حامد»، وهو موظف حكومي يبلغ من العمر 36 عاماً ويعيش في منطقة تايماني «نمرض كثيراً بسبب المياه، سواء من شربها في المطاعم، أو أثناء زيارة منازل الآخرين، أو حتى عند تنظيف الأسنان بماء البئر».
لأول مرة في التاريخ الحديث أصبحت عاصمة على وشك الجفاف (CNN)
النساء يتحملن العبء الأكبر
تُضطر النساء إلى المشي ساعات في شوارع كابل للحصول على الماء، رغم القيود الصارمة التي تفرضها حركة طالبان على خروج النساء دون مَحرَم.تقول شابة تبلغ من العمر 22 عاماً، طلبت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية: «ليس من السهل على امرأة الخروج في هذه الظروف، نواجه مضايقات، وقد نتعرض للأذى ونحن نبحث فقط عن الماء».وقد تواصلت شبكة CNN مع طالبان للحصول على رد رسمي، دون جدوى.
مستقبل غامض
إضافةً إلى التغير المناخي والنمو السكاني وسوء الإدارة، تأتي الأزمة السياسية في البلاد لتزيد الوضع تعقيداً.فمنذ سيطرة طالبان على البلاد في أغسطس 2021، توقف الدعم الدولي والتنمية، واقتربت أفغانستان من حافة الانهيار الاقتصادي، ورغم أن المساعدات الإنسانية من المنظمات غير الحكومية ملأت بعض الفراغ، فإن قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بوقف المساعدات الخارجية هذا العام أدى إلى نتائج كارثية.وحسب «ميرسي كوربس»، فإن قرار وقف تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) كان له «أثر بالغ»، إذ لم يُصرف سوى 8 ملايين دولار من أصل 264 مليوناً مطلوبة لقطاع المياه والصرف الصحي حتى أوائل عام 2025.تقول «فون تسان» «نشهد الآن مزيجاً خطيراً من انهيار البنية التحتية المحلية، وتجميد التمويل، واحتدام التوترات الإقليمية، بينما يواجه المواطنون العاديون أزمة متفاقمة يوماً بعد يوم».أما بالنسبة لراحيلة، فإن المستقبل يبدو مظلماً.تقول «عندما انتقلنا إلى هذا الحي، كان الإيجار أرخص والمسجد به ماء، وكانت الحياة ممكنة… الآن لا أعلم كم من الوقت يمكننا الصمود».وتختم حديثها «ربما نضطر للرحيل مجدداً، لكن إلى أين؟ لا أعلم».(بقلم أليشا بيبي، ريا موغول، ومسعود بوبالزاي، CNN)