بعد أسوأ بداية في 52 عاماً.. ما سبب صمود الدولار هذا الأسبوع؟ تحليل للبيانات والسياسات

بعد أسوأ بداية في 52 عاماً.. ما سبب صمود الدولار هذا الأسبوع؟ تحليل للبيانات والسياسات

رغم التصعيد المستمر من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، ورغم المخاوف من تصاعد الحرب التجارية، فقد استقر الدولار هذا الأسبوع مقترباً من تسجيل أول مكاسب شهرية له منذ بداية عام 2025، العام الذي شهد أسوأ بداية للعملة الأميركية منذ عام 1973.
في هذا التقرير، نستعرض أبرز البيانات الاقتصادية، ونتوقف عند الرسائل الضمنية لسياسات الفيدرالي، ونحلل كيف استطاع الاقتصاد الأميركي تجاوز آثار الرسوم الجمركية في وقت يتأرجح فيه المشهد العالمي بين التوتر والغموض.نحو أول مكاسب شهرية في 2025

يعد استقرار الدولار هذا الأسبوع في طريقه لحصد أول مكاسبه الشهرية في العام الجاري، مؤشراً على مرونة الاقتصاد الأميركي في مواجهة الضغوط. رغم التراجع المؤقت الذي شهدته العملة الأميركية عقب تقارير عن نية الرئيس دونالد ترامب إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، حافظ الدولار على مكاسبه الأخيرة، مستفيداً من أداء اقتصادي قوي.فقد ارتفع مؤشر الدولار -الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من العملات الرئيسية- بنسبة 1.6% منذ بداية الشهر، وهو ما يجعله في طريقه لتحقيق أول مكاسب شهرية له هذا العام، بعد أن تعرض لانخفاض حاد في النصف الأول من 2025 نتيجة مخاوف من تأثير الحرب التجارية وتصاعد الدين السيادي الأميركي. وقال لي هاردمن، كبير محللي العملات في بنك MUFG: «الاقتصاد الأميركي وسوق العمل أثبتا صموداً أكبر مما كان متوقعاً، ما يمنح الاحتياطي الفيدرالي مبرراً للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير رغم الانتقادات من إدارة ترامب».بيانات سوق العملوجاءت بيانات سوق العمل لتعزز هذه النظرة، حيث أضاف الاقتصاد الأميركي 147 ألف وظيفة الشهر الماضي، في أداء فاق التوقعات ويُظهر أن سوق العمل لا تزال قوية رغم الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، كما بلغت نسبة التضخم السنوي في يونيو 2.7%، متجاوزة التوقعات، ما يدعم موقف الفيدرالي في التريث قبل اتخاذ خطوات جديدة لخفض أسعار الفائدة.ويتوقع متداولو العقود الآجلة في الأسواق الآن خفضاً واحداً أو اثنين على الأكثر بمقدار ربع نقطة مئوية بحلول نهاية العام، مقارنة بتوقعات بداية الشهر التي رجّحت خفضين أو ثلاثة.وأوضحت شركة «براون براذرز هاريمان» في مذكرة تحليلية: «بالنظر إلى المعطيات الاقتصادية الحالية، فإن الفيدرالي لن يكون في عجلة من أمره لاستئناف دورة التيسير النقدي».تحديات أمام الدولارورغم التحسن الأخير، لا تزال التحديات قائمة، فتصعيد الرئيس ترامب هجماته على استقلالية الفيدرالي قد يؤثر سلباً على ثقة الأسواق بالدولار، في وقت من المتوقع فيه أن تدخل رسوم جمركية جديدة حيّز التنفيذ في أوائل أغسطس إذا لم تتوصل الإدارة الأميركية إلى اتفاقيات تجارية جديدة.حتى بين من يتخذون موقفاً سلبياً من الدولار على المدى المتوسط، هناك من يرى أن فترة من التعافي كانت متوقعة بعد الانخفاض الحاد في الأشهر السابقة. وقال محللون في «بنك أوف أميركا»: «نحن سلبيون تجاه الدولار على المدى المتوسط، لكن احتمالات حدوث انتعاشة صيفية زادت بشكل واضح».من جانبه، يرى فلافيو فيغيريدو، رئيس تداول العملات العالمية في «سيتي بنك»، أن التحفيزات مثل التخفيضات الضريبية والسياسات الأخرى ستدعم النمو الأميركي خلال الأشهر المقبلة، ما قد يدفع الدولار لمزيد من الارتفاع.وأضاف: «كل ذلك سيقود إلى نمو أقوى في الولايات المتحدة، وأعتقد أن ذلك سيكون إيجابياً للدولار».قوة اليوروفي المقابل، تراجع بعض الزخم الذي دفع اليورو فوق مستوى 1.18 دولار في وقت سابق من هذا العام، ويعزو محللون هذا التراجع إلى تصريحات مسؤولين في البنك المركزي الأوروبي عبّروا فيها عن قلقهم من قوة اليورو، إضافة إلى تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي، ما ضغط على ثقة المستثمرين.وحسب بيانات بورصة المشتقات «CME Group»، تجاوز حجم خيارات البيع (الرهان على هبوط اليورو) حجم خيارات الشراء (الرهان على صعود اليورو) خلال يوليو، وكان المستثمرون بين مارس ويونيو يتجهون لشراء خيارات الشراء، متوقعين قوة أكبر للعملة الأوروبية.وقال فرانشيسكو بيسولي، استراتيجي العملات في بنك ING: «ربما كان هناك تفاؤل بأن اليورو سيصل إلى 1.20 دولار استناداً إلى بعض المؤشرات السلبية الطفيفة في البيانات الاقتصادية التي فسّرها البعض كإشارة لسياسة نقدية أكثر تيسيراً من الفيدرالي، لكن البيانات الأخيرة سارت في الاتجاه المعاكس تماماً».وفي الوقت الذي يترقب فيه العالم تطورات الحرب التجارية وتحركات الاحتياطي الفيدرالي، يواصل الدولار اختبار حدود قوته وسط عاصفة من السياسات والتوقعات المتضاربة.ورغم أن طريق الاستقرار ما زال محفوفاً بالمخاطر -من تدخلات سياسية إلى تقلبات الأسواق العالمية- فإن صمود الاقتصاد الأميركي حتى الآن يعيد رسم ملامح معركة الدولار في 2025.فهل تكون هذه بداية استعادة الثقة للدولار؟ أم مجرد هدنة مؤقتة قبل موجة جديدة من التحديات؟