هجرة الأثرياء من لندن بعد إلغاء نظام «non-dom».. ساويرس يتصدر القائمة

ألغت الحكومة البريطانية في أبريل نيسان الماضي امتياز «غير المقيم لأغراض ضريبية» (non-dom)، الذي سمح لنحو 74 ألف أجنبي بدفع ضرائبهم على الدخل المحصل داخل المملكة فقط، مع تجاهل الأرباح الخارجية ما لم تحول إلى بريطانيا.
حيدر يبيع ممتلكاته البريطانية ويستعد لتقسيم وقته بين دبي واليونان.
موجة خروج بارزة.. من ساويرس إلى أنغرمير
تتعدد الأسماء البارزة بين صفوف الأثرياء الذين غادروا بريطانيا مؤخراً، من أبرزهم الملياردير المصري ناصف ساويرس، شريك ملكية نادي أستون فيلا الإنجليزي، والذي أظهرت الوثائق التنظيمية أنه نقل إقامته إلى إيطاليا.هذه الخطوة تتيح له الاستفادة من نظام ضريبي جذاب يتيح للمغتربين دفع رسم سنوي ثابت بدلاً من الضرائب على الدخل العالمي.وفي السياق ذاته، غادر كريستيان أنغرمير، الملياردير الألماني المتخصص في قطاع العملات الرقمية، العاصمة البريطانية العام الماضي متجهاً إلى سويسرا، في ظل ما توفره من حوافز ضريبية مرنة على الثروات والأرباح.أما القصة الأكثر رمزية فهي للمستثمرة الكندية آن كابلان مول هولاند، التي انتقلت إلى بريطانيا في عام 2022 بعد أن باعت شركتها في مجال القروض الطبية، واشترت قلعة من القرن الثالث عشر، ورصدت نحو 20 مليون دولار لترميمها وتحويلها إلى مشروع سياحي يشمل مطاعم وخدمات زفاف، كما وظفت نحو 100 موظف، واندمجت في مجتمعها المحلي، بل كانت تتسوق بنفسها من متاجر «ماركس آند سبنسر».وعلى الرغم من هذا التعلق، قررت هي وزوجها، جراح التجميل، تقديم طلب للانتقال إلى إيطاليا، حيث يمكنهم دفع ضريبة سنوية مقطوعة تبلغ نحو 230 ألف دولار بدلاً من الخضوع لنظام الضرائب الشامل البريطاني، تقول آن بحسرة «من الصعب الرحيل لأننا استقررنا.. لكنني سأكون أسعد إنسان إذا تراجعت الحكومة عن هذا القرار».
تأثير مباشر على سوق العقارات الفاخرة
لم يتأخر سوق المنازل الفاخرة في لندن عن إظهار تداعيات خروج الأثرياء، فقد كشفت شركة نايت فرانك أن مبيعات العقارات التي تتجاوز قيمتها عشرة ملايين دولار هبطت بنسبة 37% في الربع الأول من العام، لتهبط الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ عقد كامل.ويؤكد ستيوارت بيلي، رئيس قسم المبيعات السوبر برايم لدى الشركة، أن الصفقات التي كان إتمامها يستغرق أياماً باتت تحتاج إلى أسابيع، مشيراً إلى أن التباطؤ لا يقتصر على تراجع الطلب، بل يمتد إلى انخفاض إيرادات الضرائب العقارية ورسوم الدمغة التي تعتمد عليها الخزانة البريطانية.
العدالة الضريبية أم هروب الاستثمار؟
إلغاء امتياز «non‑dom» جاء استجابة لضغوط يسارية رأت في زيادة ضرائب الأثرياء وسيلة لمعالجة عدم المساواة وتمويل شبكات الأمان الاجتماعي المتآكلة.إلا أن معسكر الضرائب المنخفضة يحذر من أن القرار يدفع «صناع الوظائف» وأصحاب الإنفاق الكبير إلى الرحيل، ما يعرض الاقتصاد لخسارة استثماراتهم، ويشير هؤلاء إلى سهولة تحرك هذه الشريحة الثرية بين العواصم العالمية التي تنافس لندن، مثل دبي وموناكو وروما، لتقديم حوافز ضريبية مغرية تحاكي الامتياز البريطاني الملغى.
خلفية تاريخية للامتياز الضريبي
يعود نظام «غير المقيم لأغراض ضريبية» إلى عام 1799 عندما فرضت بريطانيا أول ضريبة دخل لتمويل حربها ضد نابليون، واقتصر آنذاك على الدخل المحصل داخل البلاد، ما أعفى أرباح المستعمرات من الضرائب.وعلى مدار القرنين التاليين تقلصت شروطه تدريجياً ليقتصر على الأجانب الذين لا ينوون الاستقرار الدائم، لكنه بقي أعظم مغناطيس للأموال الأجنبية.ففي سبعينيات القرن الماضي تدفق أثرياء الشرق الأوسط إلى لندن، تبعهم الأوليغارش الروس في التسعينيات، ثم الصينيون والهنود حديثاً.
ماذا بعد؟
طرحت الحكومة البريطانية بديلاً مؤقتاً يعفي الدخل الأجنبي لمدة أربع سنوات، إلا أن كثيراً من المستفيدين السابقين يرونه قصير الأجل وغير مجد.وفي المقابل، يترقب صانعو السياسات البيانات الضريبية للسنوات المقبلة لمعرفة ما إذا كان النزوح سيقلص الحصيلة المتوقعة أم يعوضها ارتفاع الضرائب على من بقي، وفي الأثناء، يراقب القطاع العقاري وبيوت الاستشارات القانونية وإدارة الثروات أثر مغادرة هذه الشريحة على الطلب والتوظيف، بينما يتجدد السؤال العالمي: كيف توفق الحكومات بين تحقيق العدالة الضريبية والحفاظ على جاذبية اقتصاداتها المفتوحة أمام رأس المال المتنقل؟