قمة العشرين: اتفاق على السياسات المالية وتجاهل للأزمات التي تهز الأسواق

خرج وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية في مجموعة العشرين من اجتماعهم في مدينة ديربان بجنوب إفريقيا باتفاق على بيان ختامي يُكرّس أهمية استقلالية البنوك المركزية، في خطوة نادرة تشير إلى توافق على فصل السياسات النقدية عن الضغوط السياسية.
وسلط البيان الضوء على تصاعد حالة عدم اليقين في الاقتصاد العالمي نتيجة تعدد الصراعات، وتزايد التوترات التجارية، واضطرابات سلاسل الإمداد، وارتفاع مستويات الديون، إلى جانب تكرار الظواهر المناخية المتطرفة والكوارث الطبيعية.
ما الذي ورد في البيان؟
أكد البيان أن الاقتصاد العالمي يواجه «حالة من عدم اليقين» ناجمة عن النزاعات والصراعات، واضطرابات سلاسل الإمداد، ومستويات الدين المرتفعة، والتغيرات المناخية القاسية، مشيراً إلى أن تلك العوامل تُقيّد النمو وتزيد المخاطر.وشدد المجتمعون على أن استقلالية البنوك المركزية شرط أساسي لتحقيق استقرار الأسعار، وهي عبارة نادرة الظهور في بيانات القمة، تعكس اهتماماً متزايداً بفصل السياسات النقدية عن الضغوط السياسية، لا سيما في ظل الجدل الداخلي في دول مثل أميركا والهند وتركيا.ورغم الاتفاق على مبدأ استقلالية البنوك المركزية، فإن الواقع يُظهر تفاوتاً كبيراً بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين وغيرها، إذ يُسجل «مؤشر استقلال وفاعلية البنوك المركزية» معدلات متباينة؛ من 0.91 في ألمانيا، إلى 0.37 فقط في اليابان.في حين تقف الولايات المتحدة عند 0.61، ومصر عند 0.64، وتركيا عند 0.8، ما يعكس اختلافاً في مدى تمكين البنوك من اتخاذ قراراتها بمعزل عن الضغوط السياسية.كما أعاد البيان التأكيد على دعم النظام التجاري المتعدد الأطراف، مشيراً إلى «أهمية منظمة التجارة العالمية في تسوية النزاعات التجارية»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «إصلاح شامل وفعّال» للمنظمة، في إشارة إلى الإحباط المتزايد من جمود آليات عملها.في أحد أكثر البنود تركيزاً، تعهّد البيان بالاستمرار في دعم الدول منخفضة ومتوسطة الدخل في معالجة مخاطر الدين العام، وتحديداً من خلال إطار العمل المشترك لمجموعة العشرين الذي أُطلق عام 2020.رغم التقدم البطيء في تفعيل الإطار، دعت القمة إلى تعزيز الشفافية في التعامل مع الديون، بما في ذلك من جانب الدائنين من القطاع الخاص، مشددة على ضرورة التحرك «بطريقة منسقة ومنتظمة وقابلة للتنبؤ».
ما الذي غاب عن البيان؟
ورغم الإشارة إلى «كوارث طبيعية وأحداث مناخية قاسية»، لم يأتِ البيان على ذكر التغير المناخي بشكل مباشر، في تجاهل واضح لقضية تحظى بتركيز عالمي، خاصة مع تصاعد موجات الحر وحرائق الغابات في أوروبا هذا الصيف.كما غاب تماماً أي ذكر لروسيا أو أوكرانيا أو الحرب في غزة، واكتفى البيان باستخدام تعبير عام «الصراعات والحروب المستمرة»، لتفادي الاصطدام بالخلافات العميقة بين الأعضاء.ولم يرد أيضاً أي ذكر مباشر لكلمة «الرسوم الجمركية»، رغم التوترات التجارية بين أميركا والصين وأوروبا، واكتفى البيان بالإشارة إلى «توترات تجارية» دون تحديد.تحاول مجموعة العشرين الحفاظ على وحدة شكلية عبر بيان مشترك، لكن محتواه يكشف بوضوح واقعاً سياسياً منقسماً. فبينما تتفق الدول الأعضاء على أهمية استقرار الأسعار والتجارة العالمية، تفضل تجاهل الأزمات التي تعصف بمناطق حساسة من العالم، في محاولة لإبقاء التركيز على الاقتصاد من دون الغوص في السياسة.خرجت قمة ديربان برسائل اقتصادية تقليدية، لكن صمتها عن القضايا الكبرى قد يُضعف من تأثيرها كمجموعة تمثل أكبر اقتصادات العالم. السؤال الآن: هل لا يزال بإمكان مجموعة العشرين لعب دور محوري في توجيه الاقتصاد العالمي في ظل هذا التباعد السياسي؟