هل كتب هذا النص بواسطة البشر؟.. دبي تطلق أول معيار عالمي للإجابة على ذلك

هل كتب هذا النص بواسطة البشر؟.. دبي تطلق أول معيار عالمي للإجابة على ذلك

في عصر باتت فيه الخوارزميات قادرة على توليد النصوص والصور وحتى الأفكار، تزداد الحاجة إلى أدوات تنظّم العلاقة بين الإنسان والآلة، وتُعيد تعريف “الإبداع” في زمن الذكاء الاصطناعي. من هذا المنطلق، أعلنت مؤسسة دبي للمستقبل مؤخراً عن أول تصنيف عالمي من نوعه لقياس وتوضيح دور الذكاء الاصطناعي مقارنة بدور الإنسان في إنتاج ونشر المحتوى، ضمن مبادرة اعتمدها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي.
ويهدف هذا التصنيف، الذي تمثّل إحدى لبناته التنظيمية والأخلاقية البارزة في المنطقة، إلى تعزيز الشفافية في الأبحاث والمحتوى المنشور، مع فتح المجال أمام تبني عالمي طوعي لهذا النظام.في مقابلة مع CNN الاقتصادية، شرحت الدكتورة هبة شحادة، قائد فريق الاستشراف في مؤسسة دبي للمستقبل، خلفيات المبادرة وهيكليتها، مؤكدة أن النظام “جاء استجابةً لحاجة عالمية واضحة، وهي التمييز بين ما يُنتجه الإنسان وما تُنتجه الآلة، بطريقة تحفظ ثقة الجمهور وتعزز المصداقية”.

خمسة مستويات رئيسية

يرتكز التصنيف على خمس أيقونات رئيسية توضّح العلاقة بين الإنسان والآلة في إنتاج المحتوى:تصنيف 1: المحتوى من إنتاج بشري بالكامل.تصنيف 2: الذكاء الاصطناعي يسهم إشرافياً فقط.تصنيف 3: تعاون مشترك بين الإنسان والآلة.تصنيف 4: الذكاء الاصطناعي يُنتج، والإنسان يُراجع.تصنيف 5: الذكاء الاصطناعي يُنتج المحتوى بالكامل دون تدخل بشري.كما يشمل النظام تسع أيقونات فرعية تحدد المرحلة التي تم فيها التعاون بين الطرفين، مثل: توليد الأفكار، وتحليل البيانات، والترجمة، والتحرير، والتصميم، وغيرها.وبحسب شحادة، فإن “النظام عالمي الطابع، ويمكن استخدامه في أي مجال أو قطاع أو بلد”، مضيفة أن تصميمه “مرن ويسمح لأي ناشر محتوى أو باحث بتطبيقه بسهولة ضمن هيكل تنظيمي وأخلاقي”.

ليست مسألة تقنية فقط

تؤكد شحادة أن المشكلة التي يعالجها النظام “ليست تقنية فقط، بل تنظيمية وأخلاقية”، ولهذا تدعو دبي إلى تبني هذا التصنيف لتعزيز الشفافية في العملية البحثية، والاعتراف العلني بمستوى تدخل الذكاء الاصطناعي في إنتاج المعرفة.وأشارت إلى أن المؤسسة تتواصل حالياً مع مؤسسات دولية تدرس آليات مماثلة، موضحة أن التصنيف طُوّر ليُطبق على أنواع متعددة من المحتوى تشمل الأوراق البحثية، والعروض التقديمية، والمواد التعليمية، ومنشورات التواصل الاجتماعي، وحتى الصور والفيديوهات.

تصحيح المفاهيم حول استخدام الذكاء الاصطناعي

واحدة من النقاط التي شددت عليها شحادة هي وجود حساسية أو تردد لدى البعض حيال استخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات البحثية، تقول: “هناك شعور لدى بعض الباحثين بأن استخدام الآلة قد يقلل من قيمة العمل، ولكن العكس صحيح، الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز جودة البحث عندما يُستخدم في المواطن المناسبة”.وأضافت: “التصنيف يهدف إلى جعل استخدام الآلة في العملية البحثية أمراً طبيعياً ومقبولاً في المجتمع، ما دام استخدامها واضحاً وموثقاً، نحن لا نعارض استخدام الذكاء الاصطناعي، بل نؤطّره ضمن منهجية شفافة”.وفي ردها على سؤال CNN الاقتصادية حول ما إذا كان هناك خوف حقيقي من فقدان الوظائف بسبب الذكاء الاصطناعي، أوضحت شحادة أن هذه المخاوف “موجودة بلا شك، لكنها ليست جديدة أو مرتبطة فقط بالذكاء الاصطناعي، بل رافقت كل التحولات التكنولوجية الكبرى عبر التاريخ”، وأضافت أن التحدي الحقيقي اليوم “لا يتمثل في استبدال الإنسان، بل في إعادة تعريف دوره وتطوير مهاراته”، مشددة على أن “الذكاء الاصطناعي لا يُقصي الباحث أو المصمم، بل يغيّر من طبيعة المهارات المطلوبة ويُبرز أهمية التفكير النقدي والإبداع، وهي قدرات لا يمكن أتمتتها بالكامل”، وأكدت أن الهدف من التصنيف هو “تمكين الإنسان وتنظيم العلاقة بينه وبين التكنولوجيا، وليس خلق ثنائية منافسة بينهما”.

اعتماد رسمي وتطبيق حكومي

الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم أشار عند إطلاق التصنيف إلى أن “التفريق بين الإبداع الإنساني والذكاء الاصطناعي أصبح تحدياً حقيقياً”، معتبراً أن التطور التكنولوجي يتطلب “نهجاً جديداً لتوضيح دور الذكاء الآلي في أعمالنا وإنتاجيتنا”.وقد وجّه الشيخ حمدان الجهات الحكومية في دبي ببدء تبنّي هذه الأيقونات التصنيفية في أعمالها البحثية والمعرفية، في خطوة تهدف إلى إرساء نموذج محلي قابل للتوسيع عالمياً.وختمت شحادة حديثها بالقول: “نحن لا نُصنّف من أجل التصنيف، بل من أجل بناء ثقة جديدة بين الإنسان والتكنولوجيا.. ثقة نحتاجها أكثر من أي وقت مضى”.