سامسونغ: من المعكرونة إلى التكنولوجيات الذكية

رحلة سامسونغ من متجر صغير إلى خامس أقوى علامة تجارية في العالماليوم سنحكي قصة شركة سامسونغ الكورية الجنوبية التي قد لا يخلو منزل في العالم من أحد منتجاتها التي تتراوح من الهواتف الذكية بمختلف المستويات إلى جميع الأدوات المنزلية الكهربائية والتكنولوجية..
تأسست شركة سامسونغ في 1 مارس 1938 على يد لي بيونغ تشول كمتجر بقالة للتجارة في تايغو، كوريا، متخصص في تجارة النودلز والسلع المحلية وتصديرها إلى الصين، بدأت الشركة برأس مال متواضع قدره 30,000 وون كوري (نحو 27 دولاراً أميركياً) و40 موظفاً فقط، يأتي اسم “سامسونغ” من الكورية ويعني “النجوم الثلاثة”، وهو رمز للقوة والكبر والعدد الكثير في الثقافة الكورية.
رحلة التحول الأسطورية.. من البقالة إلى عرش التكنولوجياالعقد الأول: تأسيس الإمبراطورية (1938-1950)في السنوات الأولى، ركز لي بيونغ تشول على تجارة الأغذية والمنتجات المحلية، مستفيداً من العلاقات التجارية مع الصين، خلال هذه الفترة، تعلم المؤسس دروساً قيمة في التجارة الدولية وإدارة سلاسل التوريد، ما أرسى الأسس لإمبراطورية سامسونغ المستقبلية.عقد الخمسينيات: الاستفادة من الحرب والانطلاق الحقيقياستغلت سامسونغ الحرب الكورية (1950-1953) لتوسيع نشاطها في مجال معالجة الأغذية وتجارة السكر، وفي عام 1954، أسس لي بيونغ تشول شركة “تشيل جيدانغ” (Cheil Jedang) للسكر، ما مثل نقطة التحول الأولى نحو التصنيع الحقيقي، هذه الخطوة الجريئة حولت سامسونغ من مجرد تاجر إلى مُصنع، وأسست لثقافة المخاطرة المحسوبة التي ستميز الشركة لاحقاً.الستينيات: القفزة الكبرى نحو الصناعات الثقيلةفي عام 1961، دخلت سامسونغ عالم التأمين بتأسيس شركة سامسونغ للتأمين على الحياة، ثم توسعت في الأوراق المالية والتجزئة. في 13 يناير 1969، ولدت شركة سامسونغ إلكترونيكس في سوون، كوريا الجنوبية، كمشروع مشترك بين سامسونغ وشركة سانيو اليابانية، وبدأت الشركة بتصنيع الأجهزة المنزلية البسيطة مثل أجهزة التلفزيون الأبيض والأسود والثلاجات والغسالات، كان هذا التحول الجذري من تجارة الأغذية إلى التكنولوجيا قراراً جريئاً ومحفوفاً بالمخاطر، لكنه أثبت أنه أذكى قرار في تاريخ الشركة.السبعينيات: بناء الأسس التكنولوجيةخلال السبعينيات، واصلت سامسونغ توسعها في مجال الإلكترونيات، حيث أنتجت أول تلفزيون ملون لها في عام 1977، في العام نفسه، دخلت عالم أشباه الموصلات بتأسيس قسم متخصص، ما وضع الأسس لهيمنتها المستقبلية في هذا القطاع الحيوي.الثمانينيات: الاستثمار في المستقبلفي عام 1983، أطلقت سامسونغ أول حاسوب شخصي لها، وفي عام 1988 أسست مركز بحث وتطوير متقدماً في كاليفورنيا، ما أكد التزامها بالابتكار والتطوير التكنولوجي، هذه الفترة شهدت تحول الشركة من مجرد مُصنع لمنتجات الآخرين إلى مبتكر تكنولوجي حقيقي.الفلسفة وراء النجاح.. رؤية لي بيونغ تشول الثوريةرؤية المؤسس: “المساهمة في الإنسانية من خلال التكنولوجيا“لم يكن تحول سامسونغ من الأغذية إلى التكنولوجيا مجرد صدفة، بل كان نتاج رؤية استراتيجية عميقة من لي بيونغ تشول الذي آمن بأن مستقبل كوريا الجنوبية يكمن في التكنولوجيا والابتكار، في أواخر الستينيات، أدرك أن البلاد بحاجة إلى التحول من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي متقدم، وقرر أن تكون سامسونغ رائدة في هذا التحول.استراتيجية التعلم والتطوير: من التقليد إلى الابتكاربدأت سامسونغ رحلتها التكنولوجية بتقليد المنتجات اليابانية والأميركية، لكن مع التركيز على التعلم وفهم التقنيات، استثمرت الشركة بكثافة في تدريب المهندسين الكوريين في اليابان وأوروبا وأميركا، ما خلق قاعدة معرفية محلية قوية، هذه الاستراتيجية مكنت سامسونغ من الانتقال تدريجياً من مجرد مُصنع بالتراخيص إلى مبتكر تكنولوجي مستقل.لحظة التحول الحاسمة: قرار دخول أشباه الموصلات (1974)في عام 1974، اتخذت سامسونغ قراراً جريئاً بدخول صناعة أشباه الموصلات رغم عدم وجود خبرة سابقة في هذا المجال، كان هذا القرار محفوفاً بالمخاطر، حيث تطلب استثمارات ضخمة دون ضمان للنجاح، لكن رؤية لي بيونغ تشول كانت واضحة: أشباه الموصلات ستكون أساس التكنولوجيا المستقبلية، ومن يتحكم فيها سيقود العالم. هيمنة رقمية لا تُضاهى: أرقام صادمة تُثبت القوةالصدارة العالمية في الهواتف الذكيةأصبحت سامسونغ أكبر مُصنع للهواتف الذكية في العالم عام 2024، حيث حافظت على حصة سوقية عالمية بلغت 18.3% في الربع الثالث من 2024. الأكثر إثارة للدهشة أن نحو 1.033 مليار شخص يستخدمون هواتف سامسونغ الذكية، ما يمثل 14% من إجمالي مستخدمي الهواتف الذكية عالمياً.إمبراطورية التلفزيونات: سيطرة مُطلقةحققت سامسونغ الريادة العالمية في مبيعات أجهزة التلفزيون بحصة سوقية تزيد على 30%، ما يعكس هيمنتها المطلقة في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية.قوة مالية هائلة: أرقام تحبس الأنفاستحتل سامسونغ المرتبة الخامسة عالمياً من حيث قيمة العلامة التجارية بنهاية 2024، بقيمة تقدر بـ100.8 مليار دولار، حققت الشركة أرباحاً صافية وصلت إلى نحو 25.17 مليار دولار في 2024، مسجلة انتعاشاً كبيراً من 11.29 مليار دولار في العام السابق.إذاً…من متجر نودلز صغير برؤوس أموال لا تتجاوز 27 دولاراً، إلى إمبراطورية عالمية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، تُجسد سامسونغ قصة نجاح استثنائية تُظهر كيف يمكن للرؤية والمثابرة والتنويع الذكي أن تحول حلماً متواضعاً إلى واقع يهيمن على العالم.