«دعوة سكان طهران وإسرائيل لإخلاء العاصمة بشكل عاجل».. كيف يفهم المتداولون المحترفون حروب التصريحات؟

في عالم الأسواق المالية، لا تكاد تمرّ أيام دون أن تتصدر الشاشات تصريحات نارية تحمل عناوين مخيفة خاصة في ظل حرب إسرائيلية إيرانية دائرة الآن على الأرض، ولعل أبرز التصريحات في الساعات الأخيرة تصريحات من قبيل: “على سكان طهران وتل أبيب إخلاء العاصمة فوراً”، أو “المنطقة على شفا حرب شاملة”، أو “الرد قادم في الوقت والمكان المناسبين”. هذه التصريحات تخلق دوياً إعلامياً قد يُربك المستثمر العاطفي، ويدفعه نحو قرارات سريعة، غالباً ما تكون خاطئة، لكن المتداول المحترف -خلافاً لذلك- لا يهتز.
المحترف لا يقفز إلى المنصات ليشتري الذهب أو يبيع العملات بمجرد سماع تصريح متوتر، بل ينظر مباشرة إلى الأرقام، بالنسبة له السوق لا يتحرك بالكلمات، بل تحركه السيولة، والزخم، والتذبذب، هذه المؤشرات الثلاثة  -إضافة إلى تحليل خرائط الطلب والعرض المعروفة بـOrder Flow- تُشكل خريطة الواقع الحقيقية التي لا تظهر على العناوين العاجلة.السيولة، على سبيل المثال، هي أول ما يراقبه المحترف عند اندلاع توتر جيوسياسي، فهي تخبره إن كانت هناك فعلاً تحركات ذكية تنقل الأموال من الأصول الخطرة إلى الملاذات الآمنة مثل الذهب والدولار، إذا لم يُلاحظ هذا النوع من التحول، فإن التصريحات تبقى مجرد ضجيج، فالسوق -كما يعرف جيدا- لا يكذب في سيولته.

مؤشر Momentumبعد ذلك، يتجه إلى ما هو أعمق: الزخم أو الـMomentum، هذا المؤشر لا يُرى في عنوان خبر عاجل، بل في تسارع حركة السعر، أو في قوة الشموع، وفي اتساق رد الفعل عبر أصول مختلفة، إذا كان ارتفاع الذهب مصحوباً بانخفاض في عوائد السندات، وإذا بدأت المؤشرات الفنية تكسر مستويات مقاومة قوية، فإن الزخم حقيقي، أما إن كانت الحركة مجرد ردة فعل أولية بلا استمرارية، فإنها ليست إلا ومضة عاطفية سريعة.مؤشر Volatilityثم يأتي دور التذبذب أو Volatility، وهو المؤشر الذي يقيس درجة الخوف والارتباك في السوق، لكن حتى هنا، المتداول المحترف لا ينخدع بمجرد ارتفاع مفاجئ في التذبذب، بل يراقب ما إذا كان هذا التذبذب مدعوماً بحجم تداول فعلي، وهل استطاع السعر الخروج من نطاقاته العرضية وتثبيت نفسه في اتجاه جديد، الفوضى وحدها لا تكفي لتأكيد الاتجاه.مؤشر Order Flowأما أعين المحترفين الحقيقية فهي غالباً معلقة بما يُعرف بـOrder Flow، حيث ترصد التدفقات الكبيرة من الأموال المؤسسيةمؤشر block orderكما أن مؤشرات وبيانات block order – بلوك أوردرز، من صناديق تحوط وبنوك استثمارية هي التي تصنع الموجات القوية، لا تغريدة أو تصريح طارئ، فربما تُحدث عبارة عسكرية بعض الحركة السريعة، لكن ما يُحرك السوق لمسافات بعيدة هي أوامر بملايين الدولارات.وفي نهاية كل ذلك تبقى القراءة الفنية للشارت هي الحكم الأخير، المتداول المحترف لا يثق بأي حديث مهما علا صوته، ما لم ينعكس ذلك على السلوك السعري، يتفحص البنية الفنية للاتجاه، يراقب الكسرات الهيكلية، يلاحظ حجم التداول، ويتابع ما إذا كانت الأسعار قد خرجت من نطاقات تذبذب ممتدة. فالشارت -بعكس البشر- لا يجاملك، ولا يبالغ، ولا يكذب.إن العنوان يخدع، والخبر يثير، لكن وحده الرسم البياني يهمس بالحقيقة، فبينما يتفاعل المبتدئ مع أول شائعة، ويتداول العاطفي مع كل تصريح، يبقى المحترف متأنياً لا يتحرك إلا إذا تكلم الشارت.