عملة رقمية بطابع مصرفي: هل هي حرية مالية أم عودة لل-centralization؟

في لحظة فارقة لمستقبل التمويل، صادق الكونغرس الأميركي البارحة 17 يونيو 2025 على قانون “جينيسيس” Genesis Act، وهو تشريع شامل يُتوقع أن يسرّع تنظيم سوق العملات المستقرة عالمياً. هذا التحول التشريعي السريع جاء ليمهّد الطريق أمام البنوك، التي كانت حتى وقت قريب تشكّك في الكريبتو، لتتحول اليوم إلى مُصدِّرة مباشرة لعملاتها المستقرة.
وفي خطوة استباقية لهذا التصديق تسابقت المصارف الكبرى وحتى المحلية على دخول المشهد بقوة عبر إعلان إصدار عملاتها الرقمية الخاصة مثل «جي بي مورغن» و«سوسيتيه جنرال»” و«بنك أوف أميركا».وبدأت الانعكاسات تظهر في الخليج، حيث نشهد تحركات متسارعة من مصارف كبرى مثل “الإمارات دبي الوطني”، و”أبوظبي الأول”، و”زاند بنك”، نحو إطلاق منتجات رقمية.
إثبات وجوداعتمدت العملات المستقرة حضوراً متسارعاً داخل القطاع المصرفي مع تقدم التشريعات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا. فقد دخلت العديد من المصارف الكبرى في اختبارات تجريبية أو بدأت تطوير عملاتها الرقمية الخاصة.وأعلنت سوسيتيه جنرال إصدار أول عملة مستقرة مدعومة بالدولار تحت اسم USD CoinVertible على إثريوم وسولانا، مع BNY Mellon كمودع احتياطي، بعد نجاح تجربة سابقة باليورو طرح عملتها الرقمية فيما تدرس بنوك مثل بنك أوف أميركا وآخرين إطلاق عملاتها المستقرة.وأطلق جي بي مورغان JPCOIN، وهو عملة رقمية تدعمها ودائع البنك، تُستخدم فعلياً في تسوية معاملات بين المؤسسات عبر بلوكشين يستهدف تسريع العمليات الداخلية. ووفقاً لتقرير TreasurUp، فإن إجمالي حجم التداول في سوق العملات المستقرة تجاوز 208 مليارات دولار في بداية 2025، مع توقعاته للبلوغ إلى 2.8 تريليون بحلول 2028، ما يعكس دخول القطاع المصرفي بقوة نحو أدوات دفع رقمية رخيصة وسريعة ومتوافقة تنظيمياً.ويشير هذا التوجه بوضوح إلى تحول المؤسسات المالية التقليدية من مراقب لمجرد لاعب أساسي في مشهد التمويل الرقمي العالمي خوفاً من أن يفوتها القطار، وبحسب فوغار أوسي زاده، مدير العمليات في Bitget، رابع أكبر منصة تداول عملات رقمية في العالم يعكس هذا الاتجاه مدى أهمية العملات الرقمية كجزء أصيل من المشهد المالي.وفي حديثه لـCNN الاقتصادية، شدّد على أن دخول البنوك لا يعني نهاية منصات التداول “نحن لا نقدم خدمات مالية فحسب، بل نُشكّل أدوات التمويل المستقبلية”.وفي أبريل 2025، أطلقت Bitget منتجها الثوري “Bitget Onchain” وهو منصة هجينة بين التمويل المركزي واللامركزي، تشمل تقنيات الذكاء الاصطناعي لتصفية الأصول لحظياً، وكشف أوسي زاده أن حجم التداول بلغ 92 مليار دولار في أبريل، فيما بلغت الحصة السوقية للشركة 7.2%”.الشراكة أساس من جهته يرى نيك كومبس، المدير الإقليمي لشركة BitGo، أن التعاون مستقبل القطاع وفرصة كبيرة للتوسع “البنوك الكبرى بطبيعتها بطيئة ومحافظة، نحن نوفّر لها البنية الرقمية التي لا تستطيع بناءها بمفردها”، كما قال للـCNN الاقتصادية. وتوفر Bitgo الجهة التي تتولى حفظ عملة USD1 المستقرة حلولاً جاهزة للبنوك عبر خدمة “Stablecoin-as-a-Service”، وتوفر تقنيات مثل “Advanced Key Management”، التي تتيح للبنوك إصدار عملاتها بأقل تكلفة وبنية تحتية جاهزة.ومن المتوقع أن ينمو سوق الحفظ الرقمي إلى 18.3 مليار دولار بحلول 2026، بمعدل نمو سنوي 26%، مدفوعاً بالطلب المؤسسي الذي كشف كومبس عن زيادة الطلب عليه عالمياً وإقليمياً. ولادة نظام هجين النظام المالي الذي يبدو هجيناً اليوم يعكس تناقضات جوهرية، من ناحية يوفر سهولة في التسوية الفورية وخفضاً كبيراً في الرسوم حيث يمكن أن تتقلص من 3% (المعتادة عبر بطاقات الدفع) إلى نحو 0.1%.كما أوضح أوسي زاده أنه يستتبع تداعيات في إحكام السيطرة على شبكات الحفظ والإصدار من البنوك، ما قد يُعيد إنتاج مركزيّة لتداعيات محتملة: تراجع في الخصوصية، وغياب الحفظ الذاتي للقيم الرقمية، وإعادة تمكين قوى النظام المالي التقليدي ضمن أدوات رقمية.ورغم ذلك يبدو أن المستقبل سيكون هجيناً، إذ يشير الاتجاه نحو مزيد من الشراكات والاندماجات التي سيشهدها القطاع، سواء بين المنصات نفسها أو مع المصارف.ويوضح كومبس أن الكريبتو يُعاد تشكيله اليوم لخدمة النظام ذاته الذي وُلد لمعارضته لكن المصارف ستبقى بحاجة الى الشراكة مع كيانات متخصصة مثل BitGo، لضمان الأمان والامتثال والسرعة في ابتكار منتجات جديدة. وأضاف ”بسببِ طبيعتِها الحذرة، لن تقومَ المصارف بخدمةِ الكثيرِ من سلاسلِ الكتلِ الناشئة اذ ستركز على البيتكوين، مع أنَّ هناكَ آلافَ البلوكشيناتِ بحاجةٍ إلى خدماتِ شركاتِ مثلِنَا”.وأوضح أوسي زاده: “ما يُميزنا هو السرعة، والابتكار، والانتماء إلى ثقافة اللامركزية، نحن لا نُكرر تجربة البنوك، بل نُعيد ابتكارها”. وقال “لقد غيرت العملات المستقرة قواعد اللعب في المدفوعات العابرة للحدود، وتتمثل في مزايا هائلة، نظراً لسرعتها وتكلفتها المنافسة التي لا تتجاوز 0.1% متوقعاً أن ينمو هذا السوق في غضون خمس سنوات، ويزداد تبنّي العملات المستقرة بمعدل 10 أضعاف.وتوقع أنَّ نشهد قريباً طروحات اكتتابات عامة لبورصاتِ العملاتِ الرقمية، لكونِهَا شركاتٍ تكنولوجية، الأمر الذي يجذبُ استثماراتٍ كبيرةً ويسمحُ لها بالنموِ وربما الاستحواذِ على بنوكٍ صغيرةٍ ومتوسطةٍ لتقديمِ منتجاتٍ بنكيةٍ لجمهورٍ عالمي.لاعبون جدد إلى المعترك وسط هذه التحولات أبدت شركات الدفع، كـVisa وMastercard اهتماماً واضحاً بالموضوع وسط مخاوف من تحول استخدام العملاء نحو العملات المستقرة.وكانت PayPal قد أطلقت عملتها المستقرة عام 2023، وCircle التي تُعد المشغل الرئيسي لعملة USDC، وقد أعلنتا نيتهما إجراء الاكتتاب العام في مايو 2025، ما يعكس الثقة المؤسساتية المتنامية في هذا المجال.ويعزز هذا التوجّه من التكامل بين البنوك التقليدية ومنصات التقنية المالية، ولكن يثير تساؤلات حول فقدان اللامركزية الأصلية لصالح بنية مركزية أكثر تحكماً وتنظيماً.وكان التقدّم التنظيمي قد أثار نقاشات جدلية داخل أوساط النقاد، ففي حين أشاد البعض بالضوء الأخضر الذي يزيل الضبابية القانونية، عبّر آخرون مثل السيناتور إليزابيث وارن عن قلقهم من أن اللوائح الحالية ضعيفة، وقد تفتح الباب أمام تغوّل البنوك والتقنية الكبيرة على النظام المالي الأميركي.