سنترال رمسيس: حريق في مخزن معلومات القاهرة يتسبب في أزمة تكنولوجية لمصر

في وسط العاصمة المصرية، وعلى مقربة من ميدان رمسيس الذي كان يُعرف لعقود طويلة بأنه مركز الحركة والزحام في القاهرة، يقع مبنى لا يُلفت الأنظار بسهولة رغم ضخامته وقيمته التاريخية.. إنه سنترال رمسيس، أو كما يسميه البعض «بوابة مصر إلى العالم» في عالم الاتصالات.
الولادة في زمن التحولات
هندسة وطموح
تم تشييد المبنى على الطراز الحداثي في سبعينيات القرن الماضي، بارتفاع يصل إلى 13 طابقاً، وبواجهة خرسانية تعكس التصميم الوظيفي الذي كان رائجاً في تلك الفترة، لم يكن الجمال المعماري هو الهدف، بل الكفاءة والقدرة التشغيلية، حيث تم تزويد السنترال بأحدث الأجهزة آنذاك من شركتي «إريكسون» و«سيمنز»، مع إمكانية تشغيل أكثر من 400 ألف خط هاتفي.
وكانت تكلفة المشروع –حسب تقديرات منشورة من أرشيف وزارة الاتصالات– تقدر بنحو 80 مليون جنيه مصري في ذلك الوقت، أي ما يعادل اليوم نحو 6 إلى 8 مليارات جنيه بعد حساب التضخم وسعر العملة، وهي تكلفة ضخمة بمقاييس ذلك العصر.
سنترال أم مخزن أسرار؟
على مدار عقود، ظل سنترال رمسيس أكثر من مجرد مبنى للاتصالات، كان يضم الشبكة الرئيسية للخطوط الدولية، ومركز التحكم في المكالمات الخارجية، وكان الموظفون العاملون فيه يخضعون لإجراءات أمنية مشددة، نظراً لحساسية المعلومات المتداولة، البعض اعتبره «ثكنة مدنية»، وآخرون رأوه رمزاً للسيادة المعلوماتية.وخلال فترة التسعينيات، ومع خصخصة قطاع الاتصالات نسبياً، تحولت وظائف السنترال من مركز نخبوي إلى خدمة جماهيرية، وتم تزويده بأنظمة جديدة للألياف الضوئية، وربط داخلي متقدم بين شبكات القاهرة الكبرى.
تحولات في عصر المحمول
مع دخول القرن الحادي والعشرين، بدأ دور سنترال رمسيس يتراجع تدريجياً، فالموبايل والاتصال اللاسلكي قضيا على هيمنة السنترالات التقليدية، ومع ذلك، ما يزال السنترال يعمل بكفاءة ويضم عدة إدارات مركزية تابعة للشركة المصرية للاتصالات، كما أصبح مركزاً حيوياً للكوابل البحرية والاتصالات الدولية.وقد شهد المبنى عمليات تطوير محدودة في العقد الأخير، أهمها إدخال أنظمة التبريد الحديثة، ومراكز بيانات مؤمنة، مع إبقاء الهيكل الخارجي كما هو، حفاظاً على هويته التاريخية.
رمسيس لا يزال حياً
اليوم، وبينما تمر أمامه آلاف السيارات والقطارات يومياً، يقف سنترال رمسيس شامخاً، كأنما يهمس للمارة: «أنا ذاكرة مصر الرقمية الأولى»، ورغم ما تعرض له من تراجع في التأثير والدور، لا يزال يمثل علامة فارقة في تاريخ البنية التحتية المصرية، وعنواناً لبدايات التحول الرقمي، قبل أن يظهر الإنترنت والسوشيال ميديا.
حريق في سنترال رمسيس يصيب القاهرة بسكتة تكنولوجية
وفي صخب القاهرة الحارة في السابع من يوليو 2025 نشب حريق ضخم بسنترال رمسيس على أثره تأثرت بعض خدمات الاتصالات بالقاهرة الكبرى.وحدث الحريق بإحدى غرف الأجهزة بسنترال رمسيس للشركة المصرية للاتصالات؛ ما أدي إلى تعطل مؤقت لخدمات الاتصالات، وتقوم فرق الدفاع المدني بالتعاون مع الفرق الفنية للشركة المصرية للاتصالات بالجهود اللازمة للسيطرة على الحريق وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو فصل التيار الكهربي عن كامل السنترال، وجارٍ العمل على استعادة الخدمة تدريجياً خلال الساعات القليلة المقبلة، كما يجري حصر جميع الخدمات والعملاء المتأثرين من هذا الحريق.ويؤكد الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات أنه سيقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استعادة الخدمة وتعويض كل العملاء المتأثرين من تعطل الخدمة، وتقوم كل الأجهزة المعنية بمتابعة الموقف لضمان حل المشكلة وتلافي تأثيراتها.