جلسة الحكومة رمزية في انتظار خطة الأمن القومي

شكراً نبيه برّي.
بسلاسة متوقعة منذ الصباح، مرّت جلسة 5 أيلول الحكومية التي “رحّبت” بخطة قيادة الجيش بشأن نزع سلاح “حزب الله”. مؤشرات التوافق على الإخراج بدأت ليل الخميس مع تكثّف الاتصالات على خط عين التينة – بعبدا – والضاحية طبعاً ومن ثم السراي الحكومي.
كل الاهتمام كان ينصب على كيفية صياغةِ خطةِ خروجٍ من الجلسة الحكومية لا تُغضب واشنطن ولا تستفز إسرائيل ولا تُحرج “حزب الله” وتبقي على الحدّ الأدنى من هيبة الدولة. فكانت الجلسة الحكومية منسّقة بكل تفاصيلها، ما أزعج وزير الإعلام بول مرقص لدى سؤال إحدى الصحافيات عن تلاوته بياناً محضّر مسبقاً.
في الشكل، الجميع خرجوا رابحين، Tout le monde a gagne. وحده رئيس الحكومة نواف سلام، حاول إما التنصّل مما جرى أو إرضاء خواطر خارجية وداخلية، فغرّد على “إكس”، مختصراً المشهد بعبارة “… وعلى تنفيذها (أي خطة الجيش لحصر السلاح) ضمن الإطار المقرر في جلسة 5 آب 2025″، بهدف الإيحاء بألا خروج عن مهلة آخر السنة.
“حزب الله”، الرابض على بعد كيلومترات من قصر بعبدا والسراي الحكومي، يحاول بشتى الطرق إبعاد الكأس المرّة عنه، وتفاوتت تصريحات مسؤوليه بين ليل أمس ونهار اليوم، فأكّد نائب مسؤول المجلس لسياسي للحزب محمود قماطي اليوم أنّ الجلسة أمس “كانت فرصة للعودة إلى الحكمة والتعقل ومنع البلاد من الانزلاق إلى المجهول”، فيما كلام الليل، اعتبر أن “الحكومة اللبنانية الحالية تبتز الشعب المقاوم وهمها الأول تنفيذ الإملاءات الخارجية، ولا يعنينا حصرية السلاح بيد الدولة”. وفي الموازاة كان كلام ليلي آخر لعلي عمّار، اعتبر فيه أن “من يريد نزع الشرعية عن سلاح المقاومة هو منزوع الشرعية”.
في الجوهر، الشيطان يكمن في التفاصيل. إذ لم تتضمن الخطة العسكرية مهلة زمنية، باعتبار أن “القرار السياسي بشأن حصر السلاح اتُخذ في الأساس من قبل الحكومة، أما الخطة فهي خطة الجيش العسكرية”، لكنّ رسم الخطة جاء وكأنّ قيادة الجيش أسقطت المهل الزمنية التي حددتها جلسة 5 آب وأُفرغت من مضمونها، فتم تحديد خمسة مراحل لحصر السلاح، إبقاء الخطة سرية، وتم ربط تطبيقها بدعم عسكري للجيش وتحسين قدراته وبدعم عربي ودولي للمؤسسة العسكرية والأهم بتجاوب إسرائيل معها، بمعنى أن تبدأ بتنفيذ خطوات حسن نيّة من جانبها، وهو أمرٌ مستبعد.
المنحى الإيجابي الوحيد، وهو شكلي، أنه تم إقرار خطة عسكرية لحصر السلاح، واتُخذ قرار سياسي بشأنها، لكنّ، المنحى السلبي أن العبرة في التنفيذ. فأين آلية تطبيق هذه الخطة، ولماذا لم تُطرح أمام الرأي العام؟ ولماذا لم يكشف مجلس الوزراء عن موعد البدء بها؟ ولماذا حُمّلت بكل هذه الشروط اللوجستية لتنفيذها؟ وكم من الوقت نحتاج للانتهاء من تطبيق المراحل الخمس؟ واذا كانت القرارات الدولية في لبنان أُجهضت، فما هي الضمانات لعدم إجهاض هذه الخطة؟
يمكن الخروج بحكمة مما جرى يوم أمس أنه،
لا زال “حزب الله” بنسبة كبيرة يتحكم بالإرادة والمواقف السياسية الداخلية.
لا زالت الشخصيات اللبنانية “مبهورة” بالعناوين البراقة كالسلم الأهلي، منع انقسام الجيش، مراعاة الطائفة الشيعية، الخوف من “الحزب”…، فيما عامل الوقت ينهك لبنان بلداً وشعباً ومؤسسات.
يحاول “حزب الله” شراء الوقت، ربما تستجدّ معطيات على الساحتين الإقليمية والدولية تغيّر المعادلات.
من هنا، يتخوّف مراقبون أن تكون جلسة الحكومة أمس شكلية، وشكلت الباب لـ”الحزب” لشراء الوقت أولاً إلى حين ما “بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون”، ولإجهاض خطة الجيش ثانياً تحت مسمّى “استراتيجية أمن وطني”، وهي أحد طروحات خطاب القسم، وباتت قاب قوسين من الانتهاء منها والاعلان عنها، والتي تُجهَّز منذ أشهر خلف كواليس الحراك السياسي، وفي الغرف المغلقة لتكون ربما العنوان الأبرز الذي سيطبع به عهده رئيس الجمهورية جوزف عون.
والأسئلة المهمة التي تُطرح، ناهيك عن مضمون هذه الاستراتيجية، ماذا سيكون مصير “حزب الله” العسكري فيها؟ دوره، سلاحه ووظيفته؟ تنفيذها ألا يتطلب اقتناع “الحزب” بتسليم سلاحه؟ أسئلة لا تزال غامضة، على ضوء تمسك “حزب الله” المستمر بوجود هذه الاستراتيجية وربط مصير سلاحه بها.
لا شك أنّ الجميع لعب سياسة أمس. لكنّ الأهم، أن تدوير الزوايا جرى، شاء من شاء وأبى من أبى، تحت هيبة الموازين الجديدة التي تفرضها إسرائيل بالقوة العسكرية وأميركا بالديبلوماسية، وها هم الساسة اللبنانيون ينتظرون لقاء قائد القيادة المركزية الوسطى ترافقه مورغن أورتاغوس.
وفي المحصّلة، اذا كان للأميركيين كلام وإجراءات سرّبتها إدارة ترامب أمس بقطع المساعدات المالية عن الجيش اذا لم يتم الالتزام بالمهل الزمنية لحصر السلاح، يبقى الكلام الأخير، وللأسف، لبنيامين نتنياهو ومدى اقتناعه بخطة الجيش وملاءمتها للواقع العسكري والسياسي الجديد. وبالتالي، فإن الساعات المقبلة ستحدّد بوصلة المرحلة، إما يقتنع الغرب والإسرائيليون بالخطة اللبنانية أو يقوم نتنياهو بإنهاء ما يَعتبر أنه عجز عنه الساسة اللبنانيون.
وبالعودة إلى البداية، شكراً نبيه برّي، لأنه، بحسب ما يُجمع عليه المراقبون، لا زال عرّاب الحلول وتدوير الزوايا، لكنّ الزمن تغيّر، ومن الحكمة سلوك طريق التغيير.