تحذيرات أميركية قوية وضغوط متزايدة… هل تتعامل الحكومة بواقعية مع تسليح ‘حزب الله’؟

تحذيرات أميركية قوية وضغوط متزايدة… هل تتعامل الحكومة بواقعية مع تسليح ‘حزب الله’؟

 تتزايد الضغوط الدولية على لبنان في الآونة الأخيرة، بعدما كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ الإدارة الأميركية وجّهت تحذيرا واضحا إلى بيروت، مفاده أنّ “الوقت ينفد” في ملف سلاح “حزب الله”، والتأخير في التوصل إلى حلول عملية قد يدفع إسرائيل إلى شنّ حملة عسكرية واسعة النطاق. التحذير لم يقف عند البعد الأمني، بل تضمن أيضا تهديدا مبطنا بوقف المساعدات الأميركية والخليجية، وهو ما يضع لبنان أمام معادلة دقيقة: إمّا السير بخطوات ملموسة نحو حصرية السلاح بيد الدولة، وإمّا مواجهة عزلة مالية وسياسية، فضلا عن خطر الانزلاق إلى حرب جديدة.

 

جلسة حكومية لمناقشة خطة الجيش اللبناني لحصر السلاح… “النهار” في تغطية مباشرة

منذ تشكيل الحكومة اللبنانية، لم تقف موقف المتفرّج، ويبدو أنها مصرّة على خطتها لحصر السلاح، مقابل التزامات دولية تتعلق بتمويل إعادة الإعمار وضمان انسحاب إسرائيلي من بعض النقاط الحدودية. وأتى تكليف الجيش وضع خطة تنفيذية لرسم السيطرة الكاملة للدولة على السلاح، ليؤكد جدية الحكومة في تطور يعدّ الأجرأ منذ اتفاق الطائف.

 

في الجهة المقابلة، رفض “حزب الله” الخطة، معتبرا أنّ سلاحه “عرضه وشرفه” ولا مجال للتنازل عنه في ظل استمرار الاعتداءات الإسرائيلية. بل إن بعض قيادييه حذّر من أنّ أي محاولة لفرض نزع السلاح بالقوة “قد تؤدي إلى انعدام الحياة في لبنان”. 

 

الحكومة تناقش خطة السلاح في قصر بعبدا… انسحاب وزراء الثنائي

 

هذا الموقف يعكس خشية الحزب أن ينظر إلى أي تنازل على أنه هزيمة استراتيجية، فيما لا تزال الحدود الجنوبية مشتعلة بعمليات محدودة مع إسرائيل.

 

البعد الأخطر في التحذير الأميركي لا يتصل فقط باحتمال الحرب، بل أيضا بالجانب الاقتصادي. فالمساعدات الدولية للبنان، سواء من الولايات المتحدة أو من الدول الخليجية، باتت مشروطة بالتقدم في ملف السلاح. أيّ تعثّر في هذا المسار قد يعني خسارة الدعم المالي للبنان الذي يعاني أصلا أزمة اقتصادية خانقة منذ أكثر من خمس سنوات.

 

مغادرة الثنائي الشيعي من جلسة تبحث سلاح الحزب (نبيل اسماعيل)

 

في حال توقف هذه المساعدات، سيتأثر تمويل الجيش اللبناني مباشرة، وهو الركيزة الأساسية للاستقرار. أما المساعدات الإنسانية والإنمائية التي تغطي قطاعات حيوية مثل الكهرباء والصحة والتعليم، فستصبح مهددة، وهذا ينعكس مباشرة على المواطنين الذين يرزحون تحت ضغط ارتفاع الأسعار وانهيار الخدمات العامة.
وإذا اندلعت حرب جديدة، فإن الخسائر قد تكون مضاعفة. التجارب السابقة أظهرت أن أيّ مواجهة عسكرية واسعة مع إسرائيل تعني دمارا في البنية التحتية، ونزوح عشرات آلاف المواطنين، وتوقف الدورة الاقتصادية. بمعنى آخر، أي تأخير في إيجاد تسوية قد يدفع اللبنانيين مرّة جديدة، إلى دفع أثمان باهظة من حياتهم اليومية.

وبحسب مصادر حكومية لـ”النهار”، فإن لبنان الرسمي يتعامل بجدية مع التحذيرات الأميركية، لكن هذه الجدية تصطدم بواقع داخلي معقد. فالمعادلة ليست تقنية فحسب، بل سياسية وطائفية بامتياز. وأيّ خطوة متسرعة قد تُفجّر الداخل، وأيّ تأخير قد يستدرج الخارج.
وتشير المصادر إلى أن لبنان أمام معادلة صعبة، إما أن ينجح في اجتراح تسوية تعيد ترتيب علاقته بالعالم وتؤمّن دعما اقتصاديا يقيه الانهيار، وإما أن يترجّح على حافة حرب جديدة قد تطيح ما تبقى من استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي. 
فهل تتوافر الإرادة والجرأة لدى القوى السياسية اللبنانية للذهاب إلى تسوية تاريخية، أو أنّ عامل الوقت سيكون هذه المرة ضدّ لبنان؟

كيوسك
 في حال توقف المساعدات، سيتأثر تمويل الجيش اللبناني مباشرة، وهو الركيزة الأساسية للاستقرار