مصر تدرس إمكانية تصدير الكهرباء: هل هو خيار واقعي أم مخاطرة مبالغ فيها؟

مصر تدرس إمكانية تصدير الكهرباء: هل هو خيار واقعي أم مخاطرة مبالغ فيها؟

تدرس مصر تصدير الغاز إلى سوريا ولبنان والعراق، وذلك من خلال “اتفاقية الربط الثماني” بين مصر، فلسطين، الأردن، العراق، سوريا، لبنان، تركيا، وليبيا، فهل تمتلك القاهرة بالفعل فائضاً من الكهرباء، وكيف ستصدر الكهرباء وهي تعاني نقصاً في الغاز، وما هي المقومات التي تسمح لمصر بتصدير الطاقة، وكيف تذلل مصر عقبات تصدير الطاقة؟

يقول الدكتور جمال القليوبي أستاذ هندسة البترول والطاقة، لـ”النهار” نحن أقدم دولة في المنطقة تصدّر الكهرباء، فمنذ أكثر من 20 عاماً لدينا ربط ودمج كهربائي منذ آخر اتفاقية مع جامعة الدول العربية عام 1994، وبدأنا عملية دمج الشبكات مع السودان والأردن في منطقة البيضاء وفلسطين وليبيا، وبدأنا بالفعل في عام 2008 تغذية شبكة فلسطين بنحو 60 ميغاواط، وشبكة الأردن بنحو 120 ميغاواط، والسودان بنحو 120 ميغاواط.

وأضاف أنه بعد 2018 زاد الربط الكهربائي الآسيوي والأوروبي والأفريقي، حيث أصبحت مصر تمتلك شبكة قومية حديثة قدرتها 500 كيلوفولت بجانب الشبكة الأولى بقدرة 220 كيلوفولت، وعليه تمتلك مصر أعلى شبكة قومية في الشرق الأوسط من حيث قدرات التحميل التي تصل إلى 60 ألف ميغاواط، فيما تستهلك مصر 39 ألف ميغاواط فقط، والفائض عن احتياجاتها بنحو 21 ألف ميغاواط، وبالتالي الشبكة التي لديها القدرة على تصديره، وهي حالياً لديها القدرة على تصدير نحو 2,000 ميغاواط.

وأكمل أن مصر تصدّر بالفعل الطاقة للسودان بواقع 350 ميغاواط، وكنا نمنح غزة 120 ميغاواط، وما زلنا نصدر للأردن 250 ميغاواط، وهناك اتفاق مع الجانب العراقي بأن تصدر مصر الكهرباء للعراق من خلال الشبكة العربية الواصلة بين الأردن حتى سوريا ولبنان. 

وانتهت مصر من المرحلة الثانية من الربط الكهربائي الثنائي المتبادل المصري السعودي، حيث بدأت بخط شرم – تبوك بقدرة 1,500 ميغاواط في حزيران (يونيو) الماضي، وحالياً تنفذ المرحلة التجريبية الثانية لضخ 1500 ميغاواط أخرى، بإجمالي قدرات 3 آلاف ميغاوط.

عاملان يتابعان أداء شبكة الكهرباء بمصر (وكالات)

الطاقة المتجددة الحصان الأسود

قال الخبير في الطاقة، إن مصر لديها خطة استثمارية ليصبح أكثر من 60% من إنتاجها اليومي من الكهرباء من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، من خلال رفع قدرات الطاقة المتجددة البالغة حالياً 8.3 غيغاواط إلى 39 ألف ميغاواط (11 ألف من طاقة الشمس و28 ألف من طاقة الرياح).

ونوه بأن خطة مصر لتصدير الكهرباء وفق خطة زمنية مدتها 4 أعوام، تعتمد أيضاً على امتلاكها محطات الضبعة النووية (8 محطات) التي ستنتج كهرباء بقدرات تصل إلى 4 آلاف ميغاواط، وتبدأ في الإنتاجية خلال عام 2027 وستنتهي من عمليات الإعداد الكامل والدخول إلى الشبكة عام 2030 بإجمالي قدرات تصل إلى 4,800 ميغاواط.

وبسؤاله عن تقطع إنتاجية محطات الطاقة المتجددة، قال القليوبي إن العقبة كانت في نقص قدرات البطاريات التخزينية للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وبالفعل رفعنا مؤخراً قدرات الطاقة التخزينية من 40 غيغاواط إلى 60 غيغاواط، واليوم لدينا تكنولوجيا التصنيع محلياً في المنطقة الصناعية بمنطقة قناة السويس، وهناك “شركة تيدا الصينية” لإنتاج بطاريات تستطيع تخزين الطاقة لمدة 8 ساعات متوالية بعد غياب الشمس، أما بالنسبة لمحطات الرياح فهي تعمل على مدار الساعة، وبالتالي قدرتها التخزينية هي قدرات تنقلية إما محولات أو نقاط تجميع أو نقاط استهلاكية.

كابل مصر–اليونان: بوابة الطاقة المصرية إلى أوروبا

وأشار القليوبي إلى مشروع الكابل البحري بين مصر واليونان بقدرة 3,000 ميغاواط لتغزية اليونان بالكهرباء، المزمع الانتهاء منه في 26 أيلول (سبتمبر) 2026، حيث تستثمر اليونان في مصر من خلال شركتي الكاريوس وهيليكن في مشروعات طاقة متجددة في الزعفرانة والبحر الأحمر والغردقة بالمنطقة المفتوحة، وتصدير إنتاج محطات الطاقة المتجددة إلى اليونان عبر الكابل البحري.

الغاز الحاضر الغائب

وبسؤاله عن دور الاتفاقية الأخيرة مع إسرائيل لاستيراد نحو 130 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي لمصر حتى عام 2040 مقابل 35 مليار دولار في تصدير مصر للكهرباء، قال أستاذ هندسة البترول والطاقة، إن الاتفاقية لا تقدم سوى 800 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً (11% من احتياجات مصر اليومية)، فيما تستهلك مصر من الغاز 6.3 مليار قدم مكعب يومياً، وبالتالي الغاز الإسرائيلي لا يكفي احتياجات مصر، كما أن القاهرة لديها خطة استراتيجية لزيادة معدلات الطاقة لديها.

وبسؤاله إن كانت الاتفاقية غير ضرورية لمصر فلماذا تستورد القاهرة الغاز من تل أبيب، قال إن مصر سوقاً مفتوحة لاستيراد وتصدير الغاز، مثلاً إذا كان لبنان لديه فائض من الغاز يمكن لمصر استيراده؛ لأن لبنان لا يملك القدرة على تصريف الغاز لا في البحر المتوسط ولا يملك مصافي أو مصانع لإسالة الغاز، وبالتالي مناطق الاستكشاف في الجنوب اللبناني، أو في بلوك 3،4 في الشمال اللبناني، وبلوك 5,6 عند الشمال القبرصي، إما أن توجه لبنان الغاز المستكشف عبر خط مائي لتركيا، أما في الجنوب ستمد خط يابسي يصل لمصر لتتمكن من استغلال الغاز سواء بالبيع أو لإسالته وإعادة بيعه، وبالتالي مصر تستفيد من سوق الغاز عالمياً من خلال استيراد الغاز واستخدامه في التصنيع محلياً سواء في تصنيع كهرباء، بتروكيماويات، غاز مُسال، وأسمدة.

مصر تنفق ببذخ على الطاقة

وتابع إن مصر لديها استراتيجية لتصبح دولة محورية في تجارة الطاقة، ولذلك تعمل الحكومة المصرية حالياً على الاستكشاف في مناطق عدة مثل شمال شرق المتوسط، شمال غرب المتوسط، الدلتا، البحر الأحمر، الصحراء الغربية، حيث تستثمر مصر في قطاعي النفط والغاز (البحث والتنقيب والاستكشاف والإنتاج) بأكثر من 8 مليارات دولار سنوياً، مشيراً إلى إنفاق مصر على البنية التحتية لشبكات الطاقة لديها 3 تريليون جنيه (61.7 مليار دولار).

وصرح مصدر مسؤول رفض ذكر أسمه، لـ”النهار” أن مصر لديها خطة استراتيجية طموحة لإنتاج وتصدير الكهرباء، لكنها طويلة المدى ولن تؤت ثمارها خلال الأعوام القليلة المقبلة، وذلك لأن القاهرة تواجه العديد من العقبات أبرزها نقص الغاز حتى بعد الاتفاقية الأخيرة مع إسرائيل، وشُح السيولة الدولارية، والانقطاعات المتكررة في مصادر الطاقة المتجددة البالغة 8.3 غيغاواط، بخلاف الأزمات الطارئة التي شهدناها في حقول الغاز مثل حقل ظُهر الذي توقف عام 2023 لأسباب تقنية.