آفاق الذكاء الاصطناعي: ثلاثة سيناريوهات مستقبلية

آفاق الذكاء الاصطناعي: ثلاثة سيناريوهات مستقبلية

*نانسي بدران

حين يتحدث العلماء والخبراء عن مستقبل الذكاء الاصطناعي، نكتشف أنّ ما يبدو للبعض إنجازاً تكنولوجياً باهراً يخفي وراءه أسئلة وجودية عميقة. فبين من يرى في الذكاء الاصطناعي فرصة لتغيير مسار الحضارة البشرية نحو التفوّق المطلق، ومن يخشى أن يقودنا هذا الطريق ذاته إلى كارثة لا رجعة فيها، يقف فريق ثالث ليؤكد أن الذكاء الاصطناعي سيصطدم عاجلاً أو آجلاً بحدوده، ليتركنا أمام مخاطر أقلّ خيالاً لكنها لا تقلّ خطورة.

في هذا الجدل، تتوزع الآراء بين ثلاث رؤى كبرى تتنافس على تفسير مصير البشرية في عصر الآلات.

عقيدة الهيمنة: سباق نحو السيطرة الكاملة

يرى خبراء مثل دان هندريكس (Dan Hendrycks) وداريو أمودي (Dario Amodei) أن أول دولة أو جهة تطوّر ذكاءً اصطناعياً فائق القدرات (ASI) ستحصل على تفوّق استراتيجي غير مسبوق، وربما دائم. الفرضية هنا أنّ الذكاء الاصطناعي قادر على تسريع تطوير نفسه، ما يمنح الطرف المتصدر تفوّقاً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً شاملاً. هذه الرؤية توحي بعصر جديد من سباق التسلح، لكن بأسلحة من نوع مختلف تماماً: أسلحة فكرية وتقنية خارقة.

عقيدة الانقراض: فقدان السيطرة وثمن التأخر

في المقابل، يحذّر مفكرون مثل نيك بوستروم (Nick Bostrom)، صاحب كتاب Superintelligence، وجيفري هينتون (Geoffrey Hinton) المعروف بـ”عرّاب الذكاء الاصطناعي”، من أنّ البشرية قد لا تتمكن من السيطرة على هذه الكيانات الفائقة الذكاء. وقد صرّح هينتون أخيراً بأن احتمال أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى انقراض البشر خلال العقود الثلاثة القادمة قد يصل إلى 20%. ويؤيد هذا الموقف أكثر من ألف خبير، بينهم سام ألتمان (Sam Altman) المدير التنفيذي لـOpenAI، وبيل غيتس (Bill Gates)، ويشوا بنجيو (Yoshua Bengio)، الذين وقّعوا على بيان عالمي يحذر من مخاطر الذكاء الاصطناعي على بقاء البشرية.

عقيدة الاستبدال: سقف قريب للتقدّم التقني

أما التيار الثالث، فيميل خبراء مثل أندرو نغ (Andrew Ng) إلى التقليل من مخاطر الانقراض، ويركّزون بدلاً من ذلك على التحديات العملية والملموسة. هؤلاء لا ينكرون إمكانيات الذكاء الاصطناعي الكبيرة، لكنهم لا يتوقعون أن نشهد في المستقبل المنظور ولادة ذكاء اصطناعي فائق القدرات يهدّد بقاء البشرية. غير أنّ ذلك لا يعني انعدام المخاطر؛ إذ يحذّرون من قضايا أكثر قرباً وواقعية، مثل البطالة الواسعة، تركّز السلطة الاقتصادية في أيدي شركات قليلة، واستغلال تقنيات التلاعب الدقيقة في التأثير على الرأي العام.

 

 

 

صورة تعبيرية موّلدة بالذكاء الاصطناعي

 

خلاصة المشهد

يتضح أنّ الخلاف لا يدور فقط حول التوقعات التقنية، بل حول طبيعة المخاطر نفسها:

أنصار الهيمنة يرون فرصة السيطرة المطلقة.

أنصار الانقراض يحذرون من نهاية اللعبة للبشرية.

وأنصار الاستبدال يركّزون على التحديات الاجتماعية والاقتصادية المباشرة.

وبين هذه الرؤى الثلاث، يبقى مستقبل الذكاء الاصطناعي مفتوحاً على كل الاحتمالات، ما يفرض على المجتمعات وصنّاع القرار التعامل معه بعقلانية، توازن، ورؤية بعيدة المدى.

 

 

*الدكتورة نانسي بدران، مهندسة حلول الحوسبة للمشاريع السحابية في الحكومة الفيديرالية – أوتاوا، كندا