العراقي عداي الغريري: هل كان مرتبطًا بالتنظيمات الإرهابية؟ تحقيق النهار

تتداول العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو بادّعاء أنَّه يظهر رجل الدين العراقي عدّاي الغريري “عندما كان مع التنظيمات الإرهابية”. إلّا أنَّ هذا الادّعاء خاطئ، والمشاهد في الفيديو مصُوّرة مع الغريري في وسط بغداد، وتحديداً في مركز استقبال نازحين هاربين من بطش تنظيم “الدولة الاسلامية”. FactCheck#
“النّهار” دقّقت من أجلكم
في الادّعاء المتداول، فيديو يبدأ بمقدمة مولّدة بالذكاء الاصطناعي. ثم تظهر لقطات من لقاء صحافي قديم أجرته وكالة “Vice news” مع رجل الدين عدّاي الغريري. وأرفق الفيديو بتعليق (من دون تدخّل): “عداي الغريري يظهر في فيديو قديم وهو مع التنظيمات الإرهابية”.
لقطة من الفيديو المتناقل بالمزاعم الخاطئة (انستغرام)
وقد تحقّقت “النّهار” من الادّعاء، واتّضح أنَّه غير صحيح:
1- بالبحث في أرشيف وكالة “Vice news“، تبيّن أنَّ مشاهد الغريري تعود لتقرير ميداني مطوّل نشرته في 12 فبراير/شباط 2015، في قناتها على يوتيوب، في سياق تغطية الحرب العراقية على تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والحديث عن انتهاكات قامت بها بعض ميليشيات الحشد الشعبي بحق المدنيين في المناطق الغربية، كالأنبار والموصل وديالى.
2- بالتدقيق في اللقاء مع الغريري، اتّضح أنَّ الثواني التي سبقت اللقاء معه بيّنت دخول الفريق الصحافي إلى وسط بغداد- ولم يكن تنظيم الدولة الاسلامية موجوداً فيها آنذاك- وتحديداً إلى جامع عمر المختار، الذي كان يستقبل النازحين من المناطق التي سيطر عليها التنظيم، ويقدّم المساعدات إليهم. وهذا يعني أن اللقاء مع الغريري حصل في بغداد.
لقطة لدخول الفريق الصحافي جامع عمر المختار في بغداد
3- آنذاك، كان الغريري إمام الجامع. وصرّح للوكالة عن أوضاع النازحين، بصفته “الشيخ موسى”. وقال إنَّ “محافظة ديالى تنشط فيها الميليشيات الشيعية ونزح الناس. وفي الفلوجة والأنبار، نزحوا بسبب العنف الداعشي كما هو موجود”. وكلام الغريري لم يتضمن اي تمجيد أو دعم التنظيم، ولم يدعُ للانضمام إليه ولم يحرّض ضد قوات الأمن العراقية.
وجاء حديث الغريري يومذاك لشرح لما عاناه النازحون بسبب داعش وممارسات بعض الميليشيات التي ارتكبت انتهاكات بحق المدنيين، بحسب تقارير صدرت آنذاك وفي مرحلة لاحقة. واتّهم الغريري الميليشيات بأنَّها “قتلت ونهبت وسرقت أموال الناس، خصوصاً بعد أحداث الموصل”.
كذلك، أجاب الغريري عن حالات انضمام بعض الناس إلى تنظيم داعش بالقول إنَّ “الشاب المتحمّس الذي يرى والدته تُقتَل واخته تُغتصب، كيف لا يحقد الناس ولا يكون ناتج سريع لهذا؟ هُم ليسوا من نبت البلد، لكنها نتائج فورية لما نراه من ردود فعل. وهذا لا يمثلنا، لكن لا نستطيع أن نرتدع الناس”.
يشار إلى أنَّ البحث عن اتهامات ضد الغريري بالانتماء إلى داعش الإرهابي لم يظهر أي نتائج تشير إلى ذلك.
وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش”، في تقرير عام 2015، إنَّ الميليشيات نفّذت “أعمال تدمير موسّعة لبيوت ومتاجر في شتى أرجاء مدينة تكريت في شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2015، في خرق لقوانين الحرب. وقد دمّر عناصر من الميليشيات عمداً مئات البنايات المدنية من دون سبب عسكري ظاهر، بعد انسحاب تنظيم “الدولة الإسلامية” المسلحة المتطرفة من المنطقة”.
وأضافت أنَّ تقرير “دمار بعد المعركة: انتهاكات الميليشيات العراقية بعد استعادة تكريت” استعان بصور القمر الصناعي للتثبّت من “شهادات شهود أفادوا بالدمار اللاحق بالبيوت والمتاجر في تكريت، وفي بلدات البوعجيل والعلم والدور، والذي طال أحياء كاملة. وبعد فرار عناصر داعش، اختطفت كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق أكثر من 200 من السكان السنة، بينهم أطفال، وذلك على مقربة من الدور بجنوب تكريت. وما زالت مصائر 160 على الأقل من هؤلاء المختطفين مجهولة”.
ودعا حينها نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في “هيومان رايتس ووتش” جو ستورك السلطات العراقية إلى “ضبط الميليشيات المارقة التي تدمّر بيوت السنة ومتاجرهم بعد دحر داعش، ومحاسبتها”. وقال: “الميليشيات المسيئة وقادتها الذين يتمتعون بالإفلات من العقاب تضعف الحملة ضد داعش وتعرّض المدنيين جميعاً لخطر أكبر”.
شيخ مثير للجدل
ويأتي تداول هذا الفيديو في سياق مضلل بالتزامن مع الجدل المستمر الذي يثيره الغريري في مناسبات عديدة، اذ تم إيقافه قضائياً مع شاعر جنوبي قبل مدّة بتهمة إثارة النعرات الطائفية، بعدما ظهر في مقطع مصوّر وهو يوزّع الحلوى في ذكرى استشهاد الإمام الحسين، قبل أن يتم الإفراج عنه.
وقبل أيام، ندّدت مؤسسة الشهداء بـ”التصريحات والمعلومات المغلوطة وغير المسؤولة التي صدرت عن الشيخ عدّاي الغريري، والتي تحمل طابعاً طائفياً مقيتاً يتنافى مع قيم الوحدة الوطنية والتضحيات الكبرى التي قدّمها أبناء شعبنا العراقي”، وذلك إثر ما قاله عن وجود تفرقة في طبيعة التعامل مع الشهداء، زاعماً أنَّ شهداء الحشد مفضلّون على شهداء الجيش العراقي.
وقالت المؤسسة في بيان: “أثبت شهداء الحشد الشعبي والجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، ببطولاتهم وتضحياتهم، أن الدم العراقي واحد، وأنهم وقفوا جميعاً في خندق الدفاع عن الوطن، متصدّين للهجمة الإرهابية الداعشية التي أرادت تمزيق وحدة العراق وإذلال شعبه. هذه الدماء الطاهرة لا يمكن أن تُمحى من ذاكرة الأجيال، ولا أن ينال منها خطاب تحريضي أو طائفي اياً يكن مصدره”.