ثلاثة أطراف تتنافس على تأليف التاريخ

ثلاثة أطراف تتنافس على تأليف التاريخ

في أيلول/سبتمبر، تتذكر أوروبا بداية الحرب العالمية الثانية. بينما تتذكر الصين نهايتها. في 1 أيلول 1939 اجتاح النازيون بولندا. وفي 2 أيلول 1945، استسلمت اليابان رسمياً. لهذا السبب، أقامت الصين في 3 أيلول عرضاً عسكرياً بمناسبة ذكرى الانتصار.

 

بالمقابل، تحتفل أوروبا وأميركا بيوم النصر في 8 أيار/مايو، بينما تحتفل به روسيا في 9 أيار. يرتبط التباين هنا بفارق التوقيت. وقع النازيون على الاستسلام في 7 أيار 1945، ودخل حيز التنفيذ عند الساعة الحادية عشرة ليلاً من اليوم التالي، أي منتصف ليل 9 أيار بتوقيت موسكو.

 

لكن خلف التباين في استذكار الانتصارات جدل كبير. يركز كل طرف على تضحياته ومساهماته في إنهاء الحرب، ويتهم الآخر بتجاهل جهوده. في هذا الإطار، ثمة تفاصيل دقيقة تستحق بعض الإضاءة.

 

روسيا والأرقام

تقول روسيا إن الاتحاد السوفياتي هو “المساهم الرئيسي والجوهري” في هزيمة النازية. خسر الاتحاد السوفياتي نحو 27 مليون قتيل في الحرب. لكن كما تتهم روسيا الغرب بالتقليل من أهمية تضحياتها، تواجه موسكو اتهامات من دول أخرى سابقة في الاتحاد السوفياتي، وفي مقدمتها أوكرانيا، بتجاهل تضحياتها الخاصة.

 

أسرى نازيون بيد السوفيات (أ ب)

 

على مستوى الأرقام الإجمالية، كانت خسائر روسيا هي الكبرى مع نحو 14 مليون قتيل. لكن عند مقارنة أرقام الضحايا بعدد السكان، بلغت خسائر بيلاروسيا النسبة العليا مع 25.3 في المئة تليها أوكرانيا (16.3) ثم لاتفيا (13.7) فأرمينيا (13.6). تحل روسيا وليتوانيا في المرتبة الخامسة مع 12.7 في المئة. وهذه تقديرات المؤرخ الروسي فاديم إرليخمان.

 

الصين المنسيّة

من أهداف العرض العسكري الصيني الأخير، تذكير العالم بدور الصين في محاربة اليابانيين. إذا كان التركيز الغربي يتمحور حول أيلول كبداية للحرب العالمية الثانية، فإن اليابان بدأت تغزو الصين منذ سنة 1931. وسنة 1937، تعرض الصينيون لمجزرة في نانجينغ حيث قتل اليابانيون نحو 200 ألف صيني. لكن نانجينغ كانت عاصمة القوميين الصينيين بقيادة شيانغ كاي شيك. يعتبر البعض أن القوميين في الصين هم من تحملوا وزر الحرب أكثر من الشيوعيين، بالرغم من أن سبب ذلك قد يكون تفضيل الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لحرب العصابات (من دون إسقاط تداعيات الشكوك المتبادلة بين الشيوعيين والقوميين). وتعرض عدد من دول جنوب شرق آسيا لخسائر جسمية في الأرواح والماديات بسبب الاحتلال الياباني، مثل إندونيسيا وميانمار.

 

احتلال اليابان لبكين (1937 - أب)

احتلال اليابان لبكين (1937 – أب)

 

وتقول رانا ميتر مؤلفة كتاب “الحليف المنسي: الحرب العالمية الثانية للصين، 1937-1945” إن استسلاماً مبكراً للصين، لو حصل سنة 1938، لما أطلق حرباً آسيوية لينضم إليها الغرب. وأضافت لموقع “هيستوري” أن الصين حلت ثانية خلف الاتحاد السوفياتي من حيث عدد الضحايا.

 

الدعم الأميركي

في الوقت الذي تتهمان أميركا بالتقليل من أهمية تضحياتهما، تقلل روسيا والصين من الإضاءة على قانون الإعارة والتأجير الأميركي الذي منحهما الدعم المالي والمادي في مواجهة النازيين واليابانيين والذي يبلغ بأرقام اليوم مئات المليارات من الدولارات. وثمة تباين آخر في القراءة بين الشركاء. بحسب مسح أجري سنة 2019، يشبه تذكّر الصينيين للحرب طريقة تذكّر الغرب لها، أكثر مما يشبه سردية روسيا. ليس الخلاف بين ستالين وماو سبباً مستبعداً.

 

ربما لا مفر من التحيز القومي في استرجاع الماضي. لكن حين يكون التحيز في قراءة تاريخ مفصليّ واقعاً بين أكبر ثلاثة أقطاب دوليين، تسقط أسئلة كثيرة حيال عدم قدرة هذه الدول على بناء مستقبل أفضل لعلاقاتها… وللعالم.