إصرار إسرائيل على اتفاق كامل مع ‘حماس’… هل سيزيد من فترة النزاع في غزة؟

تصر إسرائيل على اتفاق شامل مع “حماس” وتلوّح بعملية عسكرية واسعة في مدينة غزة، رغم قبول الحركة الفلسطينية باتفاق مرحلي، ما يعكس تصعيداً قد يُطيل أمد الحرب ويُعقّد فرص الحل.
على مدار العام الماضي، أصرت إسرائيل بشدة على أن تركز المفاوضات بشأن وقف النار حصرياً على اتفاق مرحلي مع تأجيل التوصل إلى صفقة أكثر ديمومة. ومع ذلك، حتى بعدما أعلنت “حماس” مؤخراً أنها ستوافق على هدنة موقتة، غيّرت الحكومة الإسرائيلية موقفها قائلة إنها لا تريد سوى اتفاق شامل يحرر جميع الأسرى وينهي الحرب.
في الوقت نفسه، أعلنت إسرائيل أنها ستشن عملية جديدة في مدينة غزة حيث يستعد الجيش لاستدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط من أجل الدفع قدماً في هجومه.
ويقول خبراء إن هاتين الخطوتين من المرجح أن تطيلا أمد الحرب بدلاً من تقصيرها، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز“، ويشككون في مقدرة إسرائيل على أن تحقق الآن ما لم تتمكن من تحقيقه في 22 شهراً، سواء عسكرياً أو عن طريق التفاوض.
توازياً، توالت الدعوات العربية لوقف النار في القطاع المحاصر، حيث أكدت كل من مصر وقطر أن “الاحتلال الإسرائيلي يواصل تعنته ويرفض أي حلول تؤدي إلى وقف المجازر في غزة”، موضحتين أن “استمرار غياب التحرك الدولي يفاقم الكارثة الإنسانية”.
بدوره، دعا مجلس التعاون الخليجي إلى التوصل لوقف شامل وفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، مديناً “الإبادة الجماعية” التي ترتكبها إسرائيل في القطاع. وشدد على الرفض القاطع لمحاولات إسرائيل فرض الحكم العسكري على غزة.
فجوة بين نتنياهو والجيش
وخلال اجتماع للحكومة الأمنية الإسرائيلية الأحد، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التصويت على صفقة محتملة مع حركة “حماس” للإفراج عن أسرى محتجزين في قطاع غزة، فيما دعا رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير إلى إبرام اتفاق، بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية.
وتفجرت خلافات حادة خلال الاجتماع، وفقاً لصحيفة “تايمز أوف إسرائيل“، وحذر زامير من أن السيطرة على مدينة غزة ستعرّض حياة الرهائن للخطر، كما أنها قد تُغرق الجيش في القطاع لفترة طويلة، وتجعله مسؤولاً عن احتلال عسكري شامل وطويل الأمد.
ووفقاً للتقارير، أغلق نتنياهو أي نقاش بشأن الصفقة خلال الاجتماع الماراثوني، قائلاً إنها ليست مطروحة على الطاولة، ومشيراً إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضغط عليه لعدم قبول أي صفقة جزئية.
فلسطينيون ينعون جثث أقاربهم المغطاة بالأكفان قتلوا في غارات إسرائيلية على مدينة غزة، (أ ف ب).
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يسيطر بالفعل على أكثر من 75% من غزة، لكن العديد من المحللين يقولون إن مطاردة كل عناصر “حماس” والقضاء على الحركة كأيديولوجية هو هدف غير قابل للتحقيق، بحسب “نيويورك تايمز”.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأنين الإسرائيلي والفلسطيني فراس ياغي، لـ”النهار”، إن “رفض الصفقة الجزئية التي كان نتنياهو قد وافق عليها سابقاً يشير إلى واقع جديد تم التوافق عليه بين إدارة ترامب ونتنياهو، إذ حض الرئيس الأميركي على ضرورة حسم ملف غزة عبر صفقة شاملة وعملية سريعة للحسم ضد حماس، وردّ نتنياهو بالقول إن ذلك ممكن عبر احتلال غزة”.
ويضيف ياغي: “رفض إسرائيل لصفقة تبادل أسرى سيطيل أمد الحرب، وهذا ما يخيف المؤسسة العسكرية، إذ اعتبر زامير رفض الصفقة الجزئية والذهاب لاحتلال قطاع غزة مصيدة إستراتيجية، لأن الحرب ستطول وتتحول إلى حرب تستنزف الجيش، وخاصة قوات الاحتياط، دون وجود تأكيدات لقدرة ذلك على تحقيق أهداف الحكومة (نزع سلاح “حماس” والإفراج عن الأسرى ونزع سلاح قطاع غزة وسيطرة أمنية إسرائيلية شاملة على القطاع وإدارة مدنية)…. كما ستؤدي لقتل الأسرى، وخسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي واتهامه بجرائم حرب بسبب الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين الفلسطينيين”.
معضلة الاتفاق… مسألة خطيرة لإسرائيل
مسألة نوع الاتفاق الذي يجب السعي إليه – تدريجي أم شامل – تمثل معضلة خطيرة للقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، وتثير غضب أقارب الرهائن والعديد من الإسرائيليين.
إن اتفاقاً جزئياً لا يؤدي إلا إلى إطلاق سراح نصف الرهائن الأحياء في المرحلة الأولى. وتقول إسرائيل إن نحو 20 منهم لا يزالون على قيد الحياة. وليس هناك ما يضمن نجاح المفاوضات في المرحلة التالية.
ويقول العديد من الإسرائيليين إنهم يعتقدون أن “حماس” لن تتخلى أبداً عن جميع الرهائن، لأن من شأن ذلك تعريضها للخطر، خاصة أنها ترى الأسرى الإسرائيليين ورقة ضمانها.
ويشير الأكاديمي والمختص بالشأن الإسرائيلي الدكتور محمد هلسة، في تصريح لـ”النهار”، إلى أن تل أبيب تخلت عن الصفقات المرحلية وتطالب باتفاق شامل لعدد من الاعتبارات:
أولاً، أن نتنياهو قد قطع وعوداً صارمة أمام شريكيه الأبرز في الائتلاف، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، بأنه لن يعود إلى الصفقات الجزئية، وهو يدرك تماماً أن العودة إلى تلك الصفقات قد تؤدي إلى انهيار هذا الائتلاف.
ثانياً، استطاع نتنياهو إقناع ترامب بأنه قادر على حسم المعركة في مدينة غزة بسرعة، وإخضاع حركة حماس، ومن ثم دفعها إلى طاولة المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية.
ثالثاً، يعتبر نتنياهو أن العرض الذي قدمته حماس قبل 5 أسابيع لم يعد مقبولاً اليوم، بحجة تغير الظروف. وهو يروج داخلياً بأن التليين الظاهري في موقفها جاء نتيجة للضغط العسكري والتهديد باحتلال مدينة غزة. ويستخدم هذا التفسير ليبرر الاستمرار في العمليات العسكرية، على اعتبار أنها هي ما سيدفع حماس إلى القبول بشروط إسرائيل الكاملة على طاولة المفاوضات.
رابعاً، يدّعي نتنياهو أن الصفقات الجزئية تحتاج إلى وقت طويل جداً، وهو يدرك أن التفويض الذي حصل عليه من ترامب ليس مفتوح الأجل. لذلك، يرفض الذهاب إلى اتفاقات جزئية يرى أنها تمنح “حماس” فرصة لإعادة تنظيم صفوفها واستئناف القتال، ويعتبر أن الوقت لم يعد في مصلحته.
يعاني قطاع غزة أزمة إنسانية حادة، ومن المرجح أن تؤدي العملية العسكرية الجديدة إلى تشريد نحو مليون من سكان مدينة غزة وإلى مزيد من الوفيات والدمار. كما أنها قد تعرّض حياة الأسرى في المنطقة للخطر. بعض المحللين قدموا خطط الهجوم على المدينة على أنها تهديد يهدف إلى الضغط على “حماس” للموافقة على شروط إسرائيل لإنهاء الحرب بقدر ما هي حقيقة عملياتية مؤكدة. وفي ظل تعقيد المشهد وتضارب المصالح، تبقى تداعيات القرار الإسرائيلي محفوفة بالمخاطر الإنسانية والعسكرية.