طرابلس عند مفترق طرق: هل ستكون هناك مواجهة صريحة أم تسوية أمنية قريبة؟

تحبس العاصمة الليبية أنفاسها وسط مخاوف عارمة من اندلاع حرب جديدة على أثر تحشيد عسكري ضخم بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة والمجموعات المسلحة الموالية له، أغلبها من مدينة مصراتة، والميليشيات المناوئة له، وفي مقدمها ما يُسمّى “جهاز الردع”.
وفي الوقت نفسه، تسابق البعثة الأممية الزمن لإنجاح مفاوضات تُشرف عليها ويقودها رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بهدف نزع فتيل التوتر واستعادة الاستقرار في المدينة.
ووفقاً لمعلومات “النهار”، يتمسّك الدبيبة بتسليم “جهاز الردع” لمطار معيتيقة الذي يسيطر عليه، بما في ذلك قاعدته العسكرية وسجنٌ يقبع داخله المئات من عناصر الإجرام وقيادات تنظيمات إرهابية. في المقابل، يخشى “الردع” أن يؤدي توقيع الاتفاق من دون ضمانات لبقاء نفوذه إلى فقدان أوراق قوته، ما يسمح للدبيبة بمواصلة الضغط عليه وإخراجه من العاصمة وتسليم جميع مقارّه.
وبينما كانت المفاوضات تجري في الغرف المغلقة للوصول إلى صيغة تفاهم، اندلعت ليل الاثنين مناوشات بالأسلحة الثقيلة بين عناصر مسلحة تتبع “جهاز الأمن العام” بقيادة شقيق وزير الداخلية عبد الله الطرابلسي المعروف بـ”الفراولة”، المتهم بارتكاب انتهاكات ونهب، وفصائل جهاز الردع المتمركزة في منطقة غريان، ما عكس هشاشة الوضع الأمني وإمكانية انفجاره في أي لحظة. وتزامن ذلك مع انفجارات عنيفة هزّت مدينة مصراتة إثر انفجار مخزن للأسلحة والصواريخ في أحياء سكنية.
ومع استمرار التوتر والتعبئة العسكرية، حذرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أن أي صراع جديد لن يهدد أمن طرابلس فحسب، بل قد يمتد إلى مناطق أخرى في البلاد. وأشارت إلى تقدم في المحادثات بشأن الترتيبات الأمنية في طرابلس في عدد من القضايا التي تهم حكومة الوحدة الوطنية، داعية جميع الأطراف إلى مواصلة الحوار لحل المسائل محل الخلاف وممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب تصعيد التوترات أو تعريض المدنيين للخطر.
جندي في جهاز الردع. (وسائل تواصل)
مع ذلك، يسود اعتقاد في أوساط العاصمة طرابلس بأن الفوضى الحالية مصطنعة من قبل الدبيبة لتحقيق مكاسب سياسية، وأنه لن يكون بمقدوره إشعال مواجهة واسعة. وتقول مصادر محلية لـ”النهار” إن غالبية الشباب المنخرطين في المجموعات المسلحة أصبحوا أكثر وعياً بتكلفة الصدامات، إذ لا ميزانية قادرة على تغطية تكاليف العلاج، ولا تعويضات للمصابين والمفقودين، ما يضعف احتمالات الانجرار لحرب جديدة. وتشير المصادر أيضاً إلى أن “جهاز الردع ليس مجرد قوة أمنية، بل مؤسسة اجتماعية وعسكرية متجذرة في طرابلس، تتمتع بغطاء رسمي، وتسيطر على أحد أهم المنافذ السيادية للدولة، مطار معيتيقة، إضافة إلى إدارة سجن يضم مئات المتطرفين والأجانب. حاضنته الاجتماعية في سوق الجمعة وباقي مناطق الغرب تمنحه شرعية محلية متينة تجعل أي استهداف مباشر له مغامرة غير محسوبة العواقب”.
ويُحذّر السياسي الليبي السنوسي إسماعيل من “انطلاق شرارة الحرب في أي لحظة، ما سيمثل أسوأ السيناريوات على طرابلس”. ويقول لـ”النهار” إن “حياة المواطن الليبي تحولت إلى جحيم، وهناك حالة استياء واسعة من الوضع والتحشيدات العسكرية”، لافتاً إلى أن الوضع الأمني سينعكس على العملية السياسية التي تتبناها الأمم المتحدة، ومطالباً بتدخل المجتمع الدولي، خصوصاً تركيا لما تملكه من أوراق في الملف الأمني بالمنطقة الغربية. ويتابع إسماعيل: “في ظل المفاوضات التي تُجرى، لا يزال الأمل معقوداً لحلحلة الأزمة ومنع حصول خسائر على المستويين البشري والمادي”.
أما رئيس تجمع الأحزاب الليبية فتحي الشبلي، فيشير إلى أن “البعثة الأممية تمكنت حتى الآن من منع اندلاع الحرب بعد مفاوضات خلال الأيام الأربعة الماضية”.
ويعرب الشبلي، في تصريح لـ”النهار”، عن اعتقاده أن “الأزمة حُلت بنسبة كبيرة، لكن هناك حالة من انعدام الثقة بين حكومة الدبيبة وجهاز الردع”. ويستبعد “افتعال الأزمة لإفساد خريطة طريق الحل السياسي، لأن المشكلة بين الحكومة المركزية والردع بدأت قبل شهور بعد تصفية رئيس جهاز دعم الاستقرار عبد الغني الكيكلي (غنيوة). وبرغم وجاهة مطالبة الحكومة بالسيطرة على المطار بالكامل، كان عليها الدخول في مفاوضات لتنفيذ هذه الخطوة”.
ويختلف الشبلي مع السنوسي حيال دور تركيا في الحل، ويقول إن “تركيا تملك جزءاً من السيطرة على صنع القرار، لكن هناك تدخلات بريطانية، واللاعب الرئيسي هم الأميركيون. يجب ألا ننسى أن المجتمع الدولي يرفض حرباً في طرابلس، وبالتالي نتوقع ألا تندلع”.