السفراء في العراق: ملف دبلوماسي يتدخل في صراع السلطة السياسية

السفراء في العراق: ملف دبلوماسي يتدخل في صراع السلطة السياسية

بعد أكثر من ستة عشر عاماً من الجمود، صوّت مجلس النواب في 26 آب/أغسطس 2025 على قائمة تضم 93 سفيراً جديداً، بناءً على توصية من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني. وبرغم أن هذه الخطوة عُدّت إنجازاً حكومياً أنهى فراغاً ديبلوماسياً مستمراً منذ عام 2009، فإنها سرعان ما أثارت جدلاً واسعاً بين من رآها “اختراقاً تاريخياً” في العمل الخارجي، ومن اعتبرها خاضعة للمحاصصة الحزبية ومتجاوزة للمعايير المهنية والقانونية.

 

مبنى مجلس النواب العراقي.

 

ترحيب رسمي
رحّب السوداني بقرار البرلمان، مثمّناً “روح التعاون” بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لإنهاء ملف عالق منذ سنوات.
وأكدت وزارة الخارجية العراقية أن التصويت على القائمة سيعزز الحضور الديبلوماسي للعراق على الساحة الدولية ويوسّع شبكة علاقاته، لافتة إلى أن 62% من المرشحين يحملون شهادات عليا، وأن نحو نصفهم من الديبلوماسيين المخضرمين.

انتقادات ديبلوماسية
مصادر مطلعة في الخارجية، ترى أن القائمة لم تخرج عن إطار المحاصصة الحزبية، معتبرة أن “الأسماء المرشحة من داخل الوزارة غالبيتهم من الكفاءات، لكن هناك من هم أكفأ لم تتح لهم الفرصة بسبب عدم انتمائهم الحزبي”.
وتوضح المصادر، لـ”النهار”، أن هذه المعادلة “قد تدفع موظفين مكرهين للانضمام إلى أحزاب سياسية أملاً بالترقّي، وهو ما يتعارض مع الطبيعة السيادية لعمل وزارة الخارجية”.
وتضيف أن العديد من موظفي السلك الديبلوماسي رفعوا دعاوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للطعن في القرار النيابي، معتبرين أن الوصول إلى منصب سفير يفترض المرور بمسارات مهنية صارمة تبدأ بالدورات التخصصية والبحوث، مروراً بمناصب مثل مستشار ووزير مفوض، وصولاً إلى الترشح النهائي. وترى أن تجاوز هذه المسارات “يشوّه صورة الديبلوماسية العراقية ويضعف تمثيل العراق في الخارج”.

اتهامات سياسية وانسحاب نيابي
وكشف النائب عامر عبد الجبار وجود “ملاحظات عديدة” على الأسماء، مؤكداً أن بعضهم مشمول بإجراءات المساءلة والعدالة.
وشهدت الجلسة انسحاب نحو 30 نائباً، ما أثار جدلاً حيال كسر النصاب القانوني أثناء التصويت. واتهم نواب معترضون رئيس البرلمان محمود المشهداني بتجاوز النظام الداخلي، مشيرين إلى أن القائمة تضمنت أسماء ذات صلات عائلية، بينها نجل رئيس البرلمان نفسه.
من جانبه، يؤكد النائب محمد جاسم الخفاجي، من أمام المحكمة الاتحادية العليا، أن 15 نائباً تقدّموا بدعوى للطعن في القرار.
ويشير إلى أن القائمة تضم “أسماء لا تنطبق عليها معايير الخدمة الخارجية، وبعضهم عليهم قيود جنائية أو يفتقرون إلى الاختصاص المطلوب”. ويطالب الخفاجي وزملاؤه المحكمة بإبطال القرار وإيقاف تنفيذه إلى حين البت بالدعوى.

فراغ ديبلوماسي
تُظهر الأرقام أن العراق يعاني نقصاً حاداً في السفراء؛ إذ لا يتجاوز عددهم حالياً 27 سفيراً، 11 منهم على أعتاب التقاعد و5 سيتقاعدون بحلول عام 2026، فيما تتطلب البعثات الخارجية والمناصب الداخلية بدرجة سفير شغل أكثر من 90 موقعاً.
هذا النقص جعل من إقرار القائمة خطوة حيوية، لكنه فتح الباب على مصراعيه لجدل سياسي وقانوني واسع بشأن شرعية الآلية التي أُقرت بها.