ترامب يستعين ببلير وكوشنر في استراتيجية “الخطوة التالية”: أزمة الجوع في غزة تدفع نتنياهو إلى اتخاذ إجراءات متسرعة.

مجرد أن يستدعي الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيسَ الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير ومستشارَه السابق لشؤون الشرق الأوسط جاريد كوشنر، إلى اجتماع البيت الأبيض الذي ناقش الوضع في غزة واليوم التالي لإنهاء الحرب الإسرائيلية، يعني أن إدارة ترامب بدأت الحديث، ولو من بعيد، في بعض المقاربات السياسية للنزاع.
كان بلير مبعوثاً للجنة الرباعية التي تشكلت في العشرية الأولى من القرن الجاري، بهدف دفع المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية قدماً. أما كوشنر فهو مهندس “صفقة القرن” التي وُضعت في الولاية الأولى لترامب، بهدف التوصل إلى حل نهائي للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. لا اللجنة الرباعية، المؤلفة من أميركا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، نجحت في تحقيق الهدف من إنشائها، ولا “صفقة القرن” وجدت طريقها إلى التنفيذ، خصوصاً بعد هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2020 ودخول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض، والعودة إلى طرح حل الدولتين.
بلير وترامب في صورة مركّبة.
ليس بخافٍ أن الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ نحو عامين على غزة، وتخللتها حروب على لبنان وإيران وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، غيّرت كل الديناميات في الشرق الأوسط، وأوجدت واقعاً جديداً شديد التعقيد.
يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أي حديث عن دولة فلسطينية، ويساوي بين “حماس” والسلطة في رام الله، ويرى أن الحل هو بتهجير الفلسطينيين، طوعاً أو قسراً، إلى دول ثالثة.
لكن إذا كان نتنياهو يأمن جانب ترامب الآن ويحظى منه بكل دعم، فإن الصورة ليست كذلك في العالم. إذ تتعرض إسرائيل لضغوط دولية متصاعدة، خصوصاً بعد تقرير “التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي” المدعوم من الأمم المتحدة، والذي أعلنت المنظمة الدولية على إثره أن الجوع يتهدد أكثر من 500 ألف فلسطيني في مدينة غزة ومحيطها. والأربعاء، سُجلت عشرُ حالات وفاة نتيجة الجوع، لتكون أعلى حصيلة في يوم واحد خلال الأسابيع الأخيرة.
التقرير عن الجوع الذي لا تتطرق إليه الولايات المتحدة علناً حتى الآن، ويثير غضباً في دول أوروبية وغربية أخرى، أربك إسرائيل إلى درجة المطالبة بسحب التقرير “فوراً”، وقد وصفه نتنياهو بأنه “كذب صريح”.
لكن ما يجدر التوقف عنده هو أن اجتماع البيت الأبيض الأربعاء ناقش زيادة تسليم المساعدات الغذائية لسكان غزة، وكأنه بذلك يقر ضمناً بتفشي الجوع في القطاع. وحتى ترامب نفسه تحدث عشية الاجتماع عن “الجوع والموت” في غزة.
ومع اقتراب انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر المقبل، وما ستشهده من اعترافات مزمعة بدولة فلسطين من دول مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، فإن الضغط سيشتد على الحكومة الإسرائيلية، وتجد نفسها في موقف الدفاع عن النفس.
وبإزاء كل ذلك، لا يزال نتنياهو يتصرف بـ”الهروب إلى الأمام”، على حد تعبير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. فعلى سبيل المثال، تزداد وتيرة الاستعدادات الإسرائيلية لاحتلال مدينة غزة، ومجلس الوزراء المصغر “الكابينت” لا يأبه بموافقة “حماس” على هدنة الشهرين وإطلاق عشرة أسرى إسرائيليين خلالها، فيما تتوسع العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية وآخرها اقتحام البلدة القديمة في نابلس.
في هذه الأجواء المشحونة، أتى “الاجتماع السياسي” في البيت الأبيض، وسبقه توقع ترامب تسوية “حاسمة وجيدة” في غضون ثلاثة أسابيع، بينما مبعوثه إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف يتحدث عن تسوية في الأراضي الفلسطينية بحلول نهاية العام.
ومع ذلك، كل شيء مرشح للانهيار إذا غابت الضغوط الأميركية الجدية على نتنياهو للسير في تسوية تتجاوز الهدن الموقتة، إلى النقاش في الجوانب السياسية التي من شأنها وحدها ضمان أي هدنة جديدة.