مثل شخص واحد… أعباء عديدة | النهار

مع بداية كل عام دراسي، يعود النقاش حول الزيّ المدرسي: هل يحقق فعلاً المساواة بين الطلاب أم يخفي وراءه فوارق أعمق؟ على الرغم من أن الهدف المعلن هو تقليل الضغوط الاجتماعية والتنمر، يكشف الواقع في العالم والعالم العربي أن الزيّ قد يتحول من وسيلة مساواة إلى عبء مالي أو حتى أداة تمييز.
يوحّد الزي الموحّد المظهر، ويمنع سباق العلامات التجارية داخل الفصول. لكنه، في المقابل، يكشف عن فوارق دقيقة: جودة القماش، أو حداثة القطعة، أو حتى عن الحقيبة والحذاء المرافقين. في المدارس الخاصة، قد يتحول تغيير الزيّ بشكل متكرّر إلى مصدر أرباح، يفرض على الأهل تكلفة إضافية لا يستطيع كثيرون تحمّلها. وهكذا، تتحوّل محاولة “إخفاء الفوارق” إلى آلية لإعادة إنتاجها بصيغة أخرى.
في لبنان، جعلت الأزمة الاقتصادية العودة إلى المدارس كابوساً مالياً. أسعار اللوازم المدرسية “خرافية” بنظر الأهل: أسرة تضمّ ثلاثة أبناء تحتاج إلى نحو 700 دولار للزيّ وحده، وفق تقارير صحافية استقصائية. ومع الكتب والقرطاسية، ترتفع التكلفة إلى 800 دولار، أي ما يعادل الحدّ الأدنى للأجور، بل وتتخطاه. هنا لم يعد السؤال: هل يخفي الزيّ الفوارق؟ بل هل يستطيع الأهل شراء الزيّ أصلاً؟
في مصر، الزيّ المدرسي تقليد راسخ تديره وزارة التربية والتعليم بمواصفات دقيقة: للبنات مريلة في الابتدائي وبلوزة وتنورة في الثانوي، وللبنين قميص وبنطال في المرحلتين، مع ألوان تحددها مديريات التعليم. حتى غطاء الرأس للطالبات سُمِّي “اختيارياً” لكن بشروط محددة وبموافقة ولي الأمر.
تشدّد الوزارة على أن أيّ طالب يخالف الزيّ المقرر لا يُسمَح له بدخول المدرسة، مما يضع الأسر المحدودة الدخل بين مطرقة التكلفة وسندان الحرمان من التعليم. وعلى الرغم من محاولة الدولة ضبط استغلال الموردين بقاعدة “عدم تغيير الزيّ إلا كل ثلاث سنوات”، يبقى العبء قائماً مع اتساع الفجوة بين المداخيل والأسعار.
في دول الخليج، للزيّ المدرسي بعدٌ مختلف. في المملكة العربية السعودية، يرتدي البنون الثوب الأبيض مع الشماغ والعقال، بينما ترتدي البنات المريلة الوردية في الابتدائي، والخضراء الزيتية في المتوسط، والكحليّة في الثانوي. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، يعتمد الزيّ الرسمي على القميص الأبيض والبنطال الطويل للبنين، ومريلة أو تنورة للبنات، إلى جانب زيّ رياضي موحّد. هنا، يعكس الزي قيمة الانضباط والهوية الوطنية أكثر مما يعكس بُعداً اقتصادياً، على الرغم من أن التكلفة تبقى حاضرة في بعض المدارس الخاصة.
المفارقة أن الزيّ، الذي يُرهِق العائلات في بيروت والقاهرة، يشهد رواجاً في العالم. سوق الزي المدرسي العالمية تجاوزت الـ 27 مليار دولار في عام 2024. وتُظهِر الإحصاءات أن نحو 20 في المئة من المدارس الحكومية الأميركية باتت تعتمد زياً رسمياً، مقارنة بثلاثة في المئة فقط منتصف التسعينيات. إلى جانب البعد التعليمي، صار الزيّ مصدر إلهام لتيارات الموضة: من “البريبي” (الأناقة الجامعية الكلاسيكية ذات الألوان المبهجة) إلى “الأكاديمية المظلمة” (الأناقة الجامعية الكلاسيكية ذات الألوان القاتمة)، تعيد أجيال جديدة ابتكار التنورة المطويّة، والقمصان الكلاسيكية، والأحذية الجلدية بأسلوب عصري. حتى بيوت الأزياء الفاخرة عرضت مجموعات مستوحاة من الزي المدرسي، فيما تتجه شركات إنتاجه نحو خامات مستدامة كالقطن العضوي والبوليستر المعاد تدويره، وبرامج إعادة التدوير التي تخفف التكلفة وتقلل الهدر.
في النهاية، يجمع الزي المدرسي بين وجوه متناقضة: رمز الانضباط والانتماء، وعبء مالي على الأسر، وأداة لإخفاء الفوارق أو إبرازها، وفي الوقت نفسه مصدر إلهام لأحدث صيحات الموضة. في لبنان، هو كابوس مالي؛ وفي مصر، التزام صارم؛ وفي الخليج، انعكاس للهوية؛ وعلى منصات الموضة، قطعٌ عصرية. وبينما تحاول المدارس إضفاء مساواة شكلية، يبقى التفاوت الاجتماعي أكبر من أن يُخفِيه قميص موحّد أو مريلة ملونة.