مشروع ‘إي 1’… إسرائيل تسعى لتجاوز الزمن في إلغاء الهوية الفلسطينية

في وقت تستعد السلطة الفلسطينية لإعلان الدولة الموعودة، تواصل إسرائيل تكريس أطول منظومة استعمارية عنصرية في التاريخ الحديث، تمزج بين “الأبارتهايد” والفاشية، وتنهش الأرض والثروات. حكومة يمينية متطرفة تعمل بلا هوادة لإيصال عدد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون، فيما تستعر حرب الإبادة في غزة وتوازيها حرب صامتة في الضفة.
الفلسطينيون اليوم محاصرون بين آلاف البوابات ومئات الحواجز والمعابر. حرية الحركة باتت حلماً بعيد المنال، فلا أحد يعبر إلا بأمر من جندي. غياب الأمن والسيادة مطلق، فكل شبر في الضفة مستباح من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين. أما السجون الإسرائيلية فتمتلئ بالمعتقلين السياسيين والأمنيين. ولا أحد يدري إن كانت السماء ستمطر ماءً أم دماً بفعل القذائف والصواريخ.
لقد امتلك الفلسطينيون يوماً ثروات وخبرات تكفي لإقامة دولة، ومن الخبراء والمختصين ما يجعلها منتجة، لكن الفساد والانقسام مزقا إمكاناتهم. ومع استمرار سياسة “الشجب والإدانة” وانتظار المجهول، وجدوا أنفسهم أمام مشهد جديد: ضفة تتجه إلى تقسيم واقعي لشمال وجنوب، على غرار كوريتين فلسطينيتين مفصولتين بجدار المستوطنات. ما ينقص فقط، ربما، منتخب للتنس الأرضي!
“إي 1”: المسمار الأخير في نعش الدولة
يُعتبر مشروع الاستيطان المعروف بـ”إي 1″ (E1) أخطر حلقات هذا المخطط، إذ يهدد بإجهاض أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً. فهو يهدف إلى ربط مستوطنة معاليه أدوميم بالقدس عبر إنشاء 3400 وحدة استيطانية جديدة على مساحة تقارب 12 كيلومتراً مربعاً، الأمر الذي سيقطع التواصل بين شمال الضفة وجنوبها، ويفصل رام الله عن بيت لحم.
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يقود المشروع بسرعة قياسية، متحدياً الضغوط الدولية ورافضاً اعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين. بل إنه أعلن مؤخراً عن خطة إضافية لبناء مستوطنة جديدة في تلال الخليل تضم أكثر من 340 وحدة سكنية، إلى جانب بنى تحتية ومرافق عامة.
ورغم أن الحكومات الإسرائيلية السابقة جمدت خطط “إي 1” مرات عدة منذ التسعينيات، إلا أن المشروع ظل حاضراً. فقد وُضع أولاً عام 1994 في عهد إسحق رابين، وأعيد طرحه في 2012 بقرار من بنيامين نتنياهو، ليعود الآن بقوة غير مسبوقة، مع توقع بدء أعمال الحفر خلال أشهر قليلة.
من أعمال توسيع مستوطنة معاليه أدوميم. (النهار)
منظمة “عير عميم”: دفن الدولة الفلسطينية
منظمة “عير عميم” الحقوقية الإسرائيلية حذرت من أن المصادقة على المشروع تعكس تصميماً واعياً على دفن فكرة الدولة الفلسطينية وفرض واقع الضم. ورأت أن إسرائيل تسعى من خلال “إي 1” إلى تكريس نظام فصل عنصري شامل، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك الفوري لمنع طرد الفلسطينيين من المنطقة.
فالمنطقة المستهدفة تُعد احتياطي الأراضي الفلسطيني الوحيد بين رام الله والقدس وبيت لحم، حيث يعيش نحو مليون نسمة. البناء الاستيطاني هناك سيخلق شريطاً استيطانياً متواصلاً من وسط الضفة إلى القدس، ويحوّل القرى الفلسطينية إلى “غيتوات” معزولة.
في موازاة المشروع، أقر مجلس الوزراء الإسرائيلي تمهيد طريق بديل للفلسطينيين جنوب “إي 1″، بحيث يتم تحويل حركة مرورهم بعيداً عن الطريق السريع رقم 1 الرابط بين القدس ومعاليه أدوميم، الذي سيُخصص فعلياً للمستوطنين. خطوة تعكس هندسة فصلٍ مدروسة تهدف إلى ضرب التواصل الجغرافي والديموغرافي الفلسطيني.

من أعمال توسيع مستوطنة معاليه أدوميم. (النهار)
أهداف المشروع الاستيطاني
بحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فإن مخطط “إي 1” الذي صودق عليه عام 1999 يشمل الاستيلاء على أكثر من 12 ألف دونم. لاحقاً، جرى الاستحواذ على 1350 دونماً لإقامة منطقة صناعية، و180 دونماً لبناء مقر للشرطة الإسرائيلية، إضافة إلى 500 دونم من أراضي عناتا وشعفاط لإقامة مكب نفايات حُوّل لاحقاً إلى حديقة عامة للمستوطنين.
كذلك، يتضمّن المخطط ما يسمى “طريق نسيج الحياة”، وهو مسار يلتف حول القرى الفلسطينية ليربط المستوطنات ببعضها ويمنع الفلسطينيين من استخدام الطرق الرئيسية نحو القدس.
الهدف واضح، عزل القدس عن محيطها الفلسطيني، وقطع أوصال الضفة إلى شمال وجنوب، وتهجير 46 تجمعاً بدوياً من السفوح الشرقية والأغوار، بما يعيد إنتاج نكبات سابقة شهدها الفلسطينيون في 1948 و1967.
المخطط الاستيطاني “إي 1” ليس مجرد مشروع بناء، بل مشروع استراتيجي يهدف إلى إنهاء حلم الدولة الفلسطينية، وتحويل الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة تحت سيطرة إسرائيل. في المقابل، يقف الفلسطينيون أمام معادلة صعبة: سلطة عاجزة، انقسام داخلي، وضغوط دولية محدودة الفاعلية، بينما الوقت يعمل لصالح الجرافات الإسرائيلية.