هل يتحول مؤتمر “جاكسون هول” إلى ساحة صراع جديدة بين التضخم والسياسة النقدية؟

في ممرات “جاكسون هول” المكسوّة بصمت الجبال والبحيرات، يتردّد هذا العام صوت مختلف. ليس صوتاً أكاديمياً ولا مجرد مناقشة لنماذج اقتصادية، بل صوت اللحظة الأخيرة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي جيروم باول قبل أن يغادر منصبه في ظل إدارة ترامب.
عام 2022، وضع باول الأسواق أمام الحقيقة المرة – “سيترافق كبح التضخم مع الألم” – فتراجعت سوق الأسهم. وفي عام 2024، ارتدى باول ثوب الحمائم، ومهّد لأول خفض للفائدة. أما الآن، وفي خطابه الأخير، فتتراكم الأسئلة:
هل يختتم ولايته برسالة تحذيرية قاسية؟ أم يترك الأسواق في حالة من الغموض البنّاء؟
حين يتعارض التضخم مع سوق العمل
المفارقة اليوم أن باول يواجه أكثر بيئة تعقيداً منذ توليه المنصب. تقرير الوظائف لشهر تموز/يوليو جاء ضعيفاً بشكل مفاجئ، ما دفع العائد على السندات لأجل عامين إلى التراجع بـ27 نقطة أساس في يوم واحد.
لكن خلف هذا الضعف الظاهري، جاءت أرقام التضخم من مؤشر أسعار المستهلكين ومؤشر المنتجين لتقول شيئاً آخر:
التضخم لم يرحل بعد، والخدمات والأجور مازالت تتحرك في اتجاه صعودي.
والأخطر من ذلك، أن تمرير التعريفات الجمركية إلى أسعار السلع بدأ يظهر في البيانات، ما يدعم حجة “التضخم الراسخ” الذي لا يختفي بمجرد تعديل الفائدة.
نتيجة ذلك: الأسواق تحتسب مساراً للتيسير لم يعد ينسجم مع الواقع التضخمي.
لماذا أصبح منحنى العائد هو الحلقة الأضعف؟
على رغم كل هذه الإشارات، قامت الأسواق بتسعير خفوضات سريعة في الفائدة، وهو ما جعل العائد على السندات لأجل عامين “يتجاوز حدوده الطبيعية” مقارنةً بالأساسيات الاقتصادية.
إذا جاء خطاب باول بصيغة متشددة، فإن أول المتضررين سيكون الجزء القصير من منحنى العائد – أي تلك السندات التي استفادت من توقعات التيسير.
تجربة 2022 لا تزال ماثلة. يومها، قفز العائد على السندات لأجل عامين بأكثر من 105 نقاط أساس خلال أسابيع، فقط بسبب خطاب واحد. وفي الاتجاه المعاكس، أدى خطاب 2023 إلى هبوط بـ76 نقطة.
وهذه المرة، ومع انخفاض التقلبات عبر الأصول، فإن الحاجز النفسي لانعكاس في الاتجاه أصبح مخفوضاً للغاية.
رئيس الفيدرالي لأميركي، جيروم باول (وكالات)
السياسة تتسرب إلى قاعة المؤتمرات
المعادلة لا تتعلق بالاقتصاد وحده، فترشيح ترامب لستيفن ميران لعضوية مجلس الاحتياطي يمثل تحوّلاً داخلياً نحو جناح أكثر ميلاً للتيسير، وهو جناح يعتقد أن أجندة ترامب (تجارة – هجرة – تحرير اقتصادي) ستمثل قوة انكماشية، لا تضخمية.
بكلمات أوضح: قد تصبح داخل مجلس الاحتياطي أصوات تدفع باتجاه مزيد من التيسير النقدي في اللحظة التي يريد فيها باول الدفاع عن صدقيته.
في هذا السياق، يصبح خطاب جاكسون هول أكثر من مجرد تقييم للتضخم… بل إعلان صريح عن حدود استقلالية الفيدرالي.
ما الذي قد يفعله باول؟
السيناريو الأرجح – وفق تاريخ الرجل – هو الآتي:
خطاب واضح ومباشر، يحذّر من التسرّع في التسعير، ويذكّر بأن مسار التيسير “مشروط” بأدلّة ملموسة على تراجع التضخم.
تشديد لفظي دقيق هدفه إعادة تثبيت توقعات الفائدة، لا سحق الأسواق.
بمعنى آخر: “نعم، الفائدة ستنخفض… لكن ليس بهذه السرعة، وليس وفق ما تتوقعونه الآن”.