نظرة فريدة على بداية “بيتلز مانيا” من منظور بول مكارتني

كان مطلع الستينيات لحظة مفصلية، حين تفجّرت بريطانيا الخارجة من تقشّف ما بعد الحرب بطاقة شبابية هائلة. “البيتلز” كانوا أبرز صادراتها إلى العالم. في شباط/فبراير 1964، حطّت الفرقة في نيويورك لتثير في مطار “جي. إف. كاي” مشاهد وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” بأنها “هستيريا تكاد تفلت من السيطرة”. عدسة بول مكارتني وثّقت السكون الذي سبق ذلك العصف الثقافي.
في الثامن والعشرين من آب/أغسطس الحالي، يفتح معرض “غاغوسيان” في شارع ديفيز اللندني أبوابه أمام الجمهور لمعرض “المرآة الخلفية: ليفربول – لندن – باريس”. صور من زمنٍ مضى، ولقطات عفويّة لأعضاء “البيتلز”، لا من مقاعد الصف الأول ولا من عدسات “الباباراتزي”، بل من عين أحد أعضاء الفرقة الأربعة: مكارتني.
جورج، رينغو، وجون في “فينسبري بارك أستوريا“، كانون الأول/ديسمبر 1963. (بول مكارتني)
يوم حلّ “الخنافس” في بيروت… لتعبئة وقود!
يصعب التصديق أنّ 65 عاماً قد مرّت منذ أن غيّر أربعة شباب من ليفربول العالم بموسيقاهم، و55 عاماً على افتراقهم! لا تزال فرقة “البيتلز”، الفرقة الأيقونية التي تشكّلت في عام 1960، وحلّت نفسها بعد عشرة أعوام، تتردّد أصداؤها عبر الأجيال وتتجدّد باستمرارية إرثها.
مذكرات شخصية على هامش زلزال ثقافي
تضمّ المجموعة صوراً التقطت بين أواخر عام 1963 وبدايات 1964، في لحظة فاصلة كان فيها أربعة شبّان من ليفربول على وشك أن يغيّروا وجه الثقافة العالمية. وبكاميرا متواضعة من نوع “بنتاكس” 35 ملم، اشتراها بالتزامن مع بروز مصطلح “بيتلز مانيا” (مصطلح أطلق في الستينيات لوصف موجة الهوس الجماهيري غير المسبوق بفرقة “البيتلز”)، وثّق مكارتني لحظات من حياة زملائه، بعيداً عن الحالة الأيقونية، بعفويّة الأصدقاء، راصداً إيماءات فتيان مشاكسين، حائرين، على أعتاب قدرٍ عاصف.
بعفويتها وخلوّها من التكلّف، تُقدّم صور مكارتني سرداً مختلفاً لصعود “البيتلز”، وتؤرّخ أسابيع حاسمة في مسيرتها: أول جولة بريطانية للفرقة بصفتها نجمة العرض؛ ظهورها القياسي في برنامج “Juke Box Jury” على شاشة “بي. بي. سي.”، الذي شاهده أكثر من 23 مليون شخص؛ عروض “كريسماس شو” الصاخبة؛ وإقامة لثلاثة أسابيع على مسرح “الأولمبيا” في باريس، الذي كان بمثابة حقل تجارب قبل غزو أميركا.
جون في الشانزليزيه، باريس، 15 كانون الثاني/يناير 1964. (بول مكارتني)
خلافاً لآلاف الصور التي التقطها مصوّرون محترفون للفرقة، تتّسم هذه اللقطات بصدق داخلي لا يتحقّق إلا من قلب التجربة. ميزتها بطريقة التقاطها؛ طبيعيّة، ارتجاليّة، وغير ممسرحة. بابتعاد مكارتني عن التكلّف والتصميم المسبق للإطار ووضعيّة التصوير، لم تُقدّم مجموعته تاريخاً مصطنعاً بل جزءاً من حياةٍ وحقبةٍ ذهبيّة: لقطات خلف كواليس مسرح “بالاديوم” اللندني و”فينسبري بارك أستوريا”، صمت مشدود قبل الإقلاع، ضحكات مكتومة في غرف ملابس ضيقة، من بينها صورة ذاتية لمكارتني في علّية منزل عائلة جين آشر، حيث سيحلم لاحقاً بلحن أغنية “Yesterday”، التي ستصبح واحدة من الأغنيات الأكثر تسجيلًا في التاريخ.
من الأرشيف إلى المعرض
عدد هائل من هذه “النيغاتيفات” والصور ظلّ مفقوداً لعقود، مطموساً في الزحمة التي صاحبت الصعود الصاروخي للفرقة. واليوم، بعد إعادة ترميمها بعناية، تُعرض هذه الصور كما يُعرض فنٌّ خالصٌ لا مجرد تذكارات، يوقّعها مكارتني بنفسه وتُقدَّم في إطارات صمّمت للغرض تحديداً.
“سيلفي“ في غرفة بول بمنزل عائلة آشر، شارع ويمبول، لندن، كانون الأول/ديسمبر 1963. (بول مكارتني)
تكمن قوة هذه الصور في ندرتها وإنسانيّتها. تُذكّر بولادة الزلزال الثقافي ومصطلح الـ”بيتلز مانيا”. وبالنسبة إلى مكارتني، فإن هذه الصور تُعيد إليه حقّ امتلاك سردية صعود “الخنافس”، إذ لا تُظهر الصورة الأيقونية لـ”البيتلز”، بل كواليس صناعتها، وصورتهم الصريحة التي رآها هو: إخوة في الموسيقى، على أعتاب صنع التاريخ.
تتراجع أسطورة “البيتلز” خطوة إلى الوراء في هذا المعرض، ليبقى جوهرٌ أعمق: جمال هشّ لأربعة شبان في المكان الصحيح والزمان الصحيح، وحلمهم واحد، قبل أن يحفظهم التاريخ في هيئة رباعيّة الوجوه.