بوتين يتجنب ذكر اسم زيلينسكي… هل سيلتقي به في ظل مساعي ترامب لإنهاء النزاع؟

بوتين يتجنب ذكر اسم زيلينسكي… هل سيلتقي به في ظل مساعي ترامب لإنهاء النزاع؟

يبلغ استخفاف الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره الأوكراني حداً كبيراً لدرجة أنه لا يلفظ اسم “زيلينسكي” أبداً تقريباً. ويصر الكرملين على أنه زعيم غير شرعي. ويصفه التلفزيون الحكومي الروسي بـ”المهرج”.

أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب فيركز جهوده الديبلوماسية الأخيرة على فكرة أن بوتين وفولوديمير زيلينسكي سيضطران إلى اللقاء وجهاً لوجه من أجل إنهاء الحرب الروسية. وقال ترامب إنه “بدأ الترتيبات” لعقد مثل هذا الاجتماع.

وسط مساعي ترامب لوقف القتال، يبرز السؤال: هل يمكن أن يجلس عدوا الحرب اللدودان قريباً وجهاً لوجه، وهل بوتين جاهز أصلا للجلوس مع زيلينسكي الذي لا يذكر اسمه حتى؟

الكرملين يماطل… ويتردد
هدّأت موسكو من روعة التوقعات بشأن قمة وجهاً لوجه طال انتظارها بين الرئيسين، على الرغم من الحماس الكبير الذي أعقب اجتماعات ترامب في الاسكا مع بوتين يوم الجمعة وفي البيت الأبيض مع قادة أوروبيين كبار وزيلينسكي يوم الاثنين.

وأشاد ترامب بحماس بفكرة عقد قمة ثلاثية تضمه مع زيلينسكي وبوتين. لكن روسيا أشارت إلى أنها ليست في عجلة من أمرها، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الثلاثاء في مقابلة إعلامية أن موسكو لا ترفض المحادثات مع أوكرانيا، لكنه شدد على أن أي قمة يجب أن يتم التحضير لها “خطوة بخطوة، تدريجياً، بدءاً من مستوى الخبراء ثم المرور بجميع المراحل اللازمة”.

كذلك، قال ترامب إنه أبلغ بوتين أنه سيعقد لقاء ثنائياً بين زيلينسكي وبوتين في مكالمتهما الهاتفية يوم الاثنين.

 

لكن عندما لخص مستشار بوتين للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف المكالمة الهاتفية للصحافيين، لم يذكر أي شيء عن قمة قادمة. وقال أوشاكوف إن ترامب وبوتين ناقشا “استكشاف فرص لإشراك مسؤولين رفيعي المستوى” في محادثات مباشرة بين روسيا وأوكرانيا، دون تحديد هوية هؤلاء المسؤولين.

 

صورة مركبة لبوتين وزيلينسكي (ا ف ب)

 

وفي هذا الصدد، تتبع روسيا نمطا مألوفا في لغتها: الموافقة من حيث المبدأ، والمماطلة في الممارسة، بحسب جريدة “بوليتيكو” الالكترونية. وقد تكررت ديناميكية مماثلة في ايار/مايو، عندما اقترح بوتين عقد اجتماع روسي مع زيلينسكي لإجراء محادثات سلام، لكنه أرسل بدلا من ذلك وفداً من الدرجة الثانية.

كذلك، أشارت شبكة “سي إن إن” إلى أن في تبني الكرملين لهذه اللغة، يتضح أن الروس ليسوا مستعدين على الإطلاق للموافقة على هذا اللقاء.

بوتين لن يجلس مع زيلينسكي 
اذاً، كما هو الحال دائما، حاول الكرملين إبقاء خياراته مفتوحة، وواصل الإشارة هذا الأسبوع إلى أن لقاء بوتين وزيلينسكي ممكن، لكنه لم يقدم أي مؤشر على أنه وشيك. وقال محللون يدرسون الكرملين إنه من الصعب تخيل موافقة بوتين على لقاء ما لم يكن واضحا أن زيلينسكي مستعد للقبول بمطالب روسيا الرئيسية، واذا اصبح واضحا لبوتين أن هذا الاجتماع ضروري لاستسلام أوكرانيا، واعتراف زيلينسكي بهزيمته، بحسب صحيفة “نيويورك تايمز“.

 وتشمل طموحات روسيا قائمة طويلة من المطالب، مثل أن تصبح أوكرانيا دولة محايدة، والتنازل عن أراض إضافية في شرق البلاد، وتخفيض قواتها العسكرية بشكل كبير، والتخلي عن طموحها للانضمام إلى الناتو.

بالنسبة لبوتين، قد تكون مثل هذه القمة وسيلة لترسيخ اتفاق سلام يقدمه الكرملين على أنه انتصار، إذا ضغط ترامب على زيلينسكي لقبول مطالب سيد الكرملين بشأن أراضي أوكرانيا وسيادتها.

 

لكنها قد تنطوي أيضا على مخاطر سياسية، حيث أشار الكرملين منذ فترة طويلة إلى أن التفاوض مباشرة مع زيلينسكي أمر لا يليق بالزعيم الروسي، وسيكون ذلك بمثابة تنازل.

فالجلوس مع زيلينسكي لغرض أقل من ذلك قد يثير الجدل في روسيا. خاصة وأن بوتين قد بنى روايته عن الغزو على حجة مفادها بأن زيلينسكي يقود “نظاماً” مذنباً بارتكاب إبادة جماعية ضد الناطقين بالروسية، لماذا يجلس معه إذاً؟

بدورها، ذكرت شبكة “سي إن إن” أن بوتين “غير مستعد” للقاء زيلينسكي، معتبرة أن الامر ليس مفاجئاً، ولفتت “سي إن إن” الى أن “هذه حرب بدأها بوتين الذي يقول إن أوكرانيا جزء لا يتجزأ من روسيا وتاريخها وثقافتها ومساحتها الروحية، وإن انفصالهما خطأ تاريخي… لذا، إذا عقد هذا الاجتماع فإن بوتين سيضطر إلى قبول الجلوس مع رئيس يعتبره أضحوكة من بلد غير موجود”.

كما أن ذلك سيشكل تغييراً كبيراً في الأسلوب سيكون من الصعب تفسيره للشعب الروسي، فالكرملين يشكك بشكل روتيني في شرعية زيلينسكي، ونادراً ما يشير بوتين ومسؤولون روس آخرون إلى زيلينسكي بالاسم، ويفضلون بدلاً من ذلك لقب “نظام كييف” اللاذع.

وليس لدى بوتين أي سبب للرضوخ في هذه المرحلة. فهو لم يقدم أي تنازلات، وكوفئ بقمة كبرى في ألاسكا، وتخلي ترامب عن مطلبه بوقف لإطلاق النار قبل محادثات السلام، وتلاشت جميع الإنذارات بفرض عقوبات حتى الآن، بحسب “سي إن إن”.

في المقابل، قال الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور اسعد العويوي لـ”النهار”: لا أعتقد أن بوتين يرفض من حيث المبدأ لقاء زيلينسكي. بوتين قد حدَّد (في قمة الاسكا) أسسا لهذا اللقاء، تتمثل في ضرورة اعتراف أوكرانيا بالمصالح القومية العليا لروسيا، وهو ما يمكن أن يشكّل أرضية مناسبة لعقد اللقاء في أي وقت، سواء في الأيام او الاسابيع المقبلة”.

 

وأضاف: “إذا لم يُؤخذ هذا الشرط بعين الاعتبار، وظلّت الظروف غير ناضجة للاعتراف والإقرار بما تطالب به روسيا من التزامات على أوكرانيا، فسيبقى الموقف معقّداً”.

ترامب اعترف بأن الصراع “صعب الحل”، وأقر بأن الرئيس الروسي قد لا يكون مهتماً بإنهاء الأعمال العدائية: “سنكتشف حقيقة الرئيس بوتين في الأسبوعين المقبلين… من الممكن أنه لا يريد التوصل إلى اتفاق”. ويبدو أن المحادثات التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية أعطت ترامب فهمًا جديدا لتعقيدات الحرب والفجوة بين مطالب موسكو وموقف كييف، بحسب قناة “بي بي سي“. 

في ظل هذا المشهد المعقّد، وبينما يواصل الكرملين مماطلته المعتادة ويضع شروطاً تجعل من اللقاء مجرد احتمال نظري، يواجه ترامب تحدياً كبيراً في تحويل رغباته الدبلوماسية إلى واقع ملموس.