تحديات المجتمع المدني في تونس: بين ضغوط الرقابة وقلة التمويل

تحديات المجتمع المدني في تونس: بين ضغوط الرقابة وقلة التمويل

بعدما شكّل المجتمع المدني التونسي لسنوات طويلة أحد الأصوات العالية في “تونس ما بعد 2011″، يبدو أنه يواجه أحلك فتراته. فبين الضغوط الداخلية ونقص التمويل الخارجي، ليس واقع المنظمات والجمعيات في تونس وردياً.
يعود تأسيس أولى الجمعيات في تونس إلى أواخر القرن التاسع عشر، وقد شهدت فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ميلاد أعرق المنظمات وهيئات المجتمع المدني التي استمر حضورها وتأثيرها في المشهد العام في البلد في مختلف الحقب السياسية، ولو بنسب متفاوتة.

 

بعد أحداث 2011 شهد المجتمع المدني في تونس طفرة كبيرة وتم تأسيس مئات الجمعيات والمنظمات الناشطة في ميادين مختلفة ثقافية، ونقابية وخيرية وحقوقية.

 

 وشهدت الفترة الممتدة من 2011 إلى 2020 إنشاء أكثر من 13 ألف جمعية جديدة.

 

وسمح مناخ الحرية بظهور جمعيات تدافع عن قضايا كان من المستحيل الخوض فيها سابقاً، مثل “المثلية” ومراقبة “نزاهة الانتخابات” والعمل الحكومي والبرلماني.

 

وأدّى المجتمع المدني خلال تلك الفترة دوراً كبيراً في المشهد السياسي والحقوقي في البلد، إذ كانت له مساهمة كبيرة في التأثير على السياسات الحكومية من خلال الدفع نحو إقرار قوانين وتشريعات أو منع تمرير أخرى، خصوصاً في فترة حكم الإسلاميين.  

 

اختبار صعب

لكن الفترة الزاهية للمجتمع المدني التونسي لم تستمر طويلاً، واليوم تجد الجمعيات والمنظمات نفسها أمام اختبار صعب يضع استمرارية جزء كبير منها على المحك.

 

ويُواجه المجتمع المدني العديد من التحديات، بعضها داخلي وبعضها خارجي، مع تراجع حضورها في المشهد العام، وخصوصاً بعد الأحداث الاستثنائية لعام 2021.

 

ويشكو جزء واسع من الناشطين في المجتمع المدني مما يصفونه بـ”التضييق الرسمي” على نشاطهم، مؤكدين أنهم مستهدفون من السلطة بسبب مواقفهم ومعارضتهم لها.

 

ويُلاحق عدد من ناشطي المجتمع المدني قضائياً من أجل تهم تتعلق بالفساد، يقول أغلبهم إنها “غير صحيحة”.

 

ويؤكد مدافعون عن المجتمع المدني أنه يتعرض ل”حملة شيطنة” رغم الدور الكبير الذي يضطلع به.

اتهامات


لم يسلم المجتمع المدني، رغم الإقرار بالدور الكبير الذي أدّاه طوال أكثر من عقد من حكم الإسلاميين، من الانتقادات التي تتهمه بتوظيف القضايا الحقوقية، وهو ما يزيد حجم الخناق عليه.

 

وكثيراً ما كان محور اتهام مباشر أو موارب، بارتباطات داخلية وخارجية، فضلاً عن مسائل تتعلق بمصادر تمويله التي يصفها البعض بـ”المشبوهة”. 
ويقول المحلل السياسي باسل ترجمان إن المجتمع المدني في تونس حاد عن دوره الحقيقي وتحوّل في مناسبات إلى طرف سياسي أو أداة تعمل لصالح طرف سياسي. 

 

ويشير في تصريح لـ”النهار” إلى أن العديد من المنظمات تاجرت بالقضايا الحقوقية، متسائلاً: “أين الإضافة التي قدمتها للتونسيين طوال أكثر من عقد كامل؟”

 

ويضيف أن المجتمع المدني في تونس فقد ثقة التونسيين بسبب ملف التمويلات الخارجية التي جعلت منه وفق قوله “أداة لخدمة مصالح خارجية على حساب مصالح الشعب التونسي”.

 

وكانت تقارير رسمية في تونس كشفت عن تورط جمعيات في “أعمال مشبوهة”، وصدرت أحكام بتجميد نشاط عدد منها بسبب شبهات تحوم حول مصادر تمويلها.

 

نقص التمويل

لا تقف مشاكل المجتمع المدني التونسي عند حدود الوضع الداخلي، فتقليص التمويل الخارجي الذي كان المصدر الأساسي لاستمرار أغلب الجمعيات، أثر في شكل ملحوظ على حضورها حالياً، بما يهدد استمرارها مستقبلاً.

 

ويقول حامد القربي الذي كان ناشطاً في جمعية ريفية إن ضعف التمويل أجبر جمعيته الصغيرة على التوقف نهائياً عن النشاط. 

 

ويشير ترجمان بدوره، إلى أن الدول المانحة، وهي أساساً الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غيرت مواقفها من مسألة تمويل المنظمات والجمعيات، خصوصاً بعد فشل الربيع العربي، وقد انتهى دور هذه الجمعيات، وباتت الأطراف المانحة لا ترى جدوى من مواصلة تمويلها”.

 

وفيما تتجه تونس إلى إعداد قانون جديد ينظم نشاط الجمعيات، يقول الناشطون إن التحدي الأكبر هو محافظته على مساحة الحرية الممنوحة لها.