نجاح في صوت أصالة: بيروت المتجددة… علمتني كيف أستمر دون تعب (صور وفيديو)

أصالة لم تعُد إلى بيروت كضيفةٍ عابرة، بل كابنة غابت طويلاً ثم وجدت طريق العودة. في “فوروم دو بيروت”، ارتدت ثوب العروس التي تزفّها المدينة إلى جمهورها، بعينين تلمعان بالدمع، وبوجه يشرق بابتسامة لا تُصدّق، كأنها تسأل نفسها إن كان هذا اللقاء حقاً يحدث بعد سبعة وعشرين عاماً من الانتظار.
بيروت التي عرفت أصواتاً لا تُنسى، من فيروز إلى وديع الصافي وصباح وزكي ناصيف، بدت في تلك الليلة وكأنها تستعيد رسالتها: أن تكون منبراً للكبار، ومرفأً للفن الأصيل. ومع عودة أصالة، عادت معها صورة المدينة التي لا تكلّ ولا تستسلم، بل تفتح ذراعيها للمبدعين كما لو كانت تحرس ذاكرة العالم العربي بأسره.
الجمهور اللبناني والعربي الذي غصّت به القاعة عاش حالة من الانقسام الجميل لساعتين ونصف ساعة متواصلة، بعضه أسرته الرغبة في توثيق كل لحظة، خشية أن تضيع كما ضاعت سنوات الغياب، وبعضه الآخر فضّل أن يترك هاتفه جانباً ويغرق في وهج اللحظة، مستسلماً لصوت ساحر يصدح في فضاء بيروت احتفالاً بانتصار العودة إلى حضن المكان الذي يعرف قيمته.
هكذا بدا الحفل الذي نظّمته شركتي “GMH” و “TMG”، ليس مجرد أمسية غنائية، بل فعل مصالحة بين الأصوات والمدينة، بين الذاكرة والحاضر، بين أصالة التي تغيّرت وتجددت، وبيروت التي ما زالت تؤمن بأن الغناء الحقيقي لا يموت.
الفنانة أصالة (الصورة: محمد سيف)
“بيروت اللي ما بتتعب علّمتني ما أتعب”
تأثّرت أصالة أمام جمهورها، وقالت: “بيروت التي لا تتعب، علّمتني ألّا أتعب. بيروت الصبيّة التي تزداد جمالاً مهما أصابها، دموعها عزيمة تنطفئ ثم تعود لتبتسم وتحتضن أحبابها، كأنها لم تُمحَ يوماً ولم تبكِ يوماً. بها أقتدي، واليوم جئتُ إلى بيروت لأشكرها، لأهديها محبّتي، ولأقول لها: يا حلوتي، يا أمّي، يا توأمي… علّمتِني، كبّرتِني، أحببتِني، وستبقين عندي القدوة. وأنا مشتاقة إلى أهلكِ، إلى أحبّتكِ، إلى أرضكِ، إلى بحركِ وجمالكِ”.
ليلة لا تُمحى من الذاكرة
وصفت أصالة حفلتها بالحدث الاستثنائي: “حفلة لم يشهد مثلها منذ زمن… أمّا أنا، فمستحيل أن أنسى هذه الليلة التي انتظرتها سنوات طويلة، بكل ما للكلمة من معنى. إنّها ليلة غير عاديّة”. وخاطبت جمهورها بعفويتها: “مبسوط؟ مبسوطة؟ مبسوطين؟”.
وفاءً لابن السويداء فهد بلان وتحيّة لزياد الرحباني
جسّدت أصالة في حفلها ببيروت معنى العائد إلى الوطن، ووسط لحظة وجدانية غامرة، لم تكتفِ بأداء أغنياتها الخاصة، بل ارتأت أن تمرّر رسالة محبة ووفاء، فرفعت تحية إلى أهل السويداء عبر الراحل فهد بلان وأغنية “واشرح لها”، مستعيدة صوتاً سورياً عابقاً بالذاكرة الجماعية، يربط الأجيال ويؤكد أن الأغنية تبقى جسر القرب بين الناس مهما ابتعدت المسافات: “تعرّفتُ إليه وأنا طفلة.كنّا نزوره في السويداء حاملين معنا التفاح ونعود محمّلين بالعنب. واليوم نودّ أن نذكره بكل فرح، ونستذكر أهله وأصحابه وأحبّته أينما كانوا… سلامي ومحبّتي وكل أشواقي إلى أهل السويداء. فهد بلان باقٍ بسمعته وحكايته الطيّبة”.
كما وجّهت تحية إلى الراحل زياد الرحباني في أغنية “أنا اللي عليكي مشتاق”، وغنّت “سامحتك” لكل من شعر بالخذلان، ولكل مقهور لم يفقد طيبته، مؤكدة أن الغناء رسالة تسامح ومحبة.
برنامج غنيّ وأغنيات للذاكرة
قدّمت أصالة باقة واسعة من أغنياتها التي يعشقها الجمهور، فغنّت: “بتعرف حبيبي”، “أكثر”، “عادي”، “سامحتك”، “اشتقنا كتير يا حبايب” (حاملة العلم اللبناني)، “آسفة”، “فوق”، “خليك في حالك”، “مبقاش أنا”، “شكراً”…
كما أدّت من قلبها أغنية “صندوق” لبلدها: “…ع البال يا ماما اشتقت تغنيلا لتغفى البنت… يا بيتنا قد ما غبت مشتاقة للعتبات”، مكرّسة وصلتها كتحية إلى الأرض والأم وشوق العودة إلى الوطن.
الفنانة أصالة (الصورة: محمد سيف)
لوّحت أصالة بيديها يميناً ويساراً طوال الحفل، وهي دلالة يعرفها جمهورها جيداً إلى أنها في قمة السعادة. كانت ابتسامتها وبريق عينيها تصدّقان على حقيقة واحدة: أنّها عادت إلى بيروت لا كمجرّد فنانة تغنّي على مسرح، بل كابنة تحتفل بالعودة إلى مدينة علّمتها أن النهوض ممكن بعد كل تعب، وأن الغناء يبقى شفاءً وذاكرة لا تشيخ: “أحبّ من يحبّ الحياة… أجمل ليلة وحفلة لي منذ سنوات… شكراً لبنان”.
الفنانة أصالة (الصور: النهار)