تحالف أوبك+ يتوقف عن التخفيضات الطوعية ويستعيد استقرار سوق النفط: هل هو قرار محفوف بالمخاطر أم استراتيجية محسوبة؟

في خطوة كان متوقعاً أن تغيّر ملامح سوق الطاقة العالمية في الأشهر المقبلة، أعلن تحالف أوبك+ رسمياً إنهاء الخفوضات الطوعية في إنتاج النفط التي كانت تلتزمها ثماني دول منذ عام 2023. وجاء الإعلان الأحد الفائت، متضمناً زيادة في الإنتاج تصل إلى 547 ألف برميل يومياً اعتباراً من أيلول/سبتمبر المقبل، في إشارة واضحة إلى انتقال التحالف إلى مرحلة جديدة من إدارة السوق.
نهاية الخفوضات التدريجية
تشكل هذه الخطوة المرحلة الأخيرة من خطة تدريجية بدأها التحالف العام الماضي، هدفت إلى إلغاء خفوضات طوعية بلغت ذروتها عند 2.2 مليون برميل يومياً. وعلى رغم وجود جدول زمني واضح لعودة هذه الكميات تدريجاً – بمعدل زيادة شهرية كان يُفترض ألا تتجاوز 137 ألف برميل يومياً – سارعت الدول المعنية، وعلى رأسها السعودية، روسيا، الإمارات، العراق، الكويت، الجزائر، كازاخستان، وعُمان، إلى ضخ كميات إضافية بوتيرة أسرع.
في الأشهر الأخيرة، وتحديداً في أيار/مايو وحزيران/يونيو وتموز/يوليو، بلغت الزيادات ما مجموعه 411 ألف برميل يومياً، لتصل حالياً إلى 547 ألف برميل في آب/أغسطس، ما يشير إلى تسارع ملحوظ يتجاوز الخطة الأصلية.
تحسّن في الطلب… ولكن الأسعار لاتزال مخفوضة
تزامنت هذه الزيادات مع تحسن نسبي في الطلب العالمي على النفط، خصوصاً خلال فصل الصيف الذي يشهد عادة ارتفاعاً في استهلاك الوقود، إضافة إلى انخفاض واضح في مستويات المخزونات العالمية. هذا التوجه أعطى دافعاً قوياً للتحالف من أجل إعادة الإمدادات إلى السوق، في محاولة لاستعادة الحصة السوقية، بخاصة في وجه منافسة متزايدة من دول منتجة خارج أوبك.
ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، لاتزال أسعار النفط دون الطموحات، إذ يبلغ سعر برميل خام برنت أقل من 70 دولاراً ، مخفوضاً بنسبة تقارب 6% منذ بداية العام. وكانت الأسعار قد سجّلت في نيسان/أبريل أدنى مستوياتها منذ أربع سنوات، بعد إعلان أوبك+ تسريع وتيرة تقليص الخفوضات، بالتزامن مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن “يوم التحرير”، وفرضه تعريفات جمركية على بعض الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ما زاد من حالة عدم اليقين في الأسواق.
أوبك+ (وكالات)
كميات إضافية لا تزال معلّقة… واحتمال فائض في الأفق
مع عودة الكميات المخفوضة سابقاً كاملة إلى السوق، يبقى في الخلفية ملف الكميات الإضافية التي لا تزال معلّقة، وتُقدّر بـ 1.66 مليون برميل يومياً. ومن المرجح أن تبقى هذه الكميات خارج السوق حتى نهاية عام 2026، ما يمنح التحالف ورقة ضغط احتياطية يستخدمها بحسب تطورات السوق.
مع ذلك، فإن استمرار ضخ الكميات الحالية قد يؤدي إلى فائض في المعروض خلال الربع الأخير من العام الحالي، وهو ما يمكن أن يضع ضغوطاً إضافية على الأسعار، ويدفع بها إلى مستويات تراوح بين 65 و67 دولاراً للبرميل، وفقاً لتقديرات بنك J.P. Morgan.
الإنتاج خارج أوبك… يتباطأ
رغم المخاوف من تخمة معروض محتملة، فإن الصورة على المدى الطويل قد تكون أكثر تفاؤلًا بالنسبة إلى أوبك+. وتشير بيانات حديثة إلى أن نمو الإمدادات من خارج أوبك – خصوصاً من دول مثل البرازيل، كندا، وغويانا – سيتباطأ بنسبة تفوق 80% بين 2025 و2027، وقد يتوقف كلياً تقريباً في السنوات اللاحقة.
هذا التباطؤ المتوقع يعطي لتحالف أوبك+ فرصة استراتيجية لإعادة فرض نفوذه في السوق العالمية، إذ سيواجه عدداً أقل من المنافسين القادرين على تلبية الطلب المتزايد، ما يمنحه مرونة أكبر في إدارة الإنتاج والأسعار.
بين الماخطار القصيرة الأجل والمكاسب الاستراتيجية
إن قرار أوبك+ إنهاء الخفوضات الطوعية يعكس قراءة دقيقة لتحسن الطلب العالمي، وتراجع المخزونات، ولكنه في الوقت نفسه يحمل اخطاراً حقيقية في حال عادت الأسواق إلى الفائض. فبينما يبدو التحالف عازماً على استعادة حصته السوقية، فإن الضغوط الاقتصادية العالمية، وتباطؤ النمو في بعض الاقتصادات الكبرى، قد تقوض هذا المسار.
مع ذلك، فإن محدودية النمو في الإمدادات غير الأوبكية تفتح الباب أمام التحالف لتعزيز موقعه الاستراتيجي على المدى البعيد، شرط أن يتمكّن من الحفاظ على توازن دقيق بين الإنتاج والطلب، والأسعار والاستقرار.