أفريقيا: تداخل صراع ‘أفريكوم’ مع ‘الفيلق الأفريقي’ وتأثير الاستقطاب السياسي والاقتصادي.

استضافت ليبيريا مؤتمراً حمل اسم “مؤتمر لوجستيات غرب أفريقيا 2025″، وجمع القيادة الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” مع أكثر من 20 دولة في غرب أفريقيا، امتدّ على مدى ثلاثة أيام، واختُتم في السابع من الجاري.
الحدث هذا هو الثالث من نوعه، لكنه يُعقد للمرة الأولى في العاصمة مونروفيا، وقالت “أفريكوم” إنه يساهم في “تعزيز الشراكات اللوجستية بين الولايات المتحدة وأفريقيا من خلال التخطيط والتقييم واتفاقيات التعاون لمواجهة التحديات المشتركة”.
وخلاله أشار نائب قائد “أفريكوم” لشؤون التعاون المدني-العسكري، السفير روبرت سكوت، إلى أن “عمل القادة العسكريين الأميركيين والأفارقة معاً هو لتعزيز شبكات اللوجستيات التي تُحسّن الجاهزية والاستقرار الإقليمي… وإيجاد حلول مشتركة لأصعب تحدياتنا الأمنية”.
أما وزيرة الدفاع الليبيرية، العميدة جير الدين جانيت جورج، فقد وصفت المؤتمر بأنه “منصة حاسمة لتعزيز التعاون داخل منطقة إيكواس (المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا)… وفي ظل التهديدات الأمنية المتطورة، من الإرهاب العابر للحدود إلى الأزمات الإنسانية، تظلّ اللوجستيات هي العمود الفقري للاستجابة العسكرية الفعّالة”.
يأتي هذا المؤتمر في سياق أهداف الإدارة الأميركية لتعزيز الشراكات مع الدول الأفريقية من خلال التنسيق الإقليمي والتكامل الدفاعي. وهذا ما عبّر عنه القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيريا، جوزيف إي. زادروزني، بقوله: “المخاطر كبيرة، من خليج غينيا إلى منطقة الساحل، نواجه تحديات متزايدة. ولكن من خلال بناء شبكات أقوى بين الدول ذات الرؤى المتقاربة، نكون في موقع أفضل لمواجهة التهديدات وتعزيز الازدهار المشترك”، بحسب ما نقلت وسائل إعلام ليبيرية.
النقطة الأساسية هنا تكمن في الساحل، وهذه الدول التي يشكّل عدد منها جزءاً أساسياً من المنطقة، شهدت انقلابات عسكرية، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أطاحت كلّ النفوذ الغربي التاريخي في البلاد، وعزّزت مكانة الوجود الروسي. إضافة إلى دول أخرى قامت بالفعل نفسه، لكن من دون تغيير في السلطة، مثل تشاد والسنغال.
وهذا ينقلنا إلى الوجه الجديد لموسكو في القارة السمراء.
الفيلق الأفريقي
شكّلت روسيا “فيلق أفريقيا” لتنظيم نفوذها العسكري في القارة تحت سيطرة الدولة، أي وزارة الدفاع الروسية مباشرة، بدلاً من الاعتماد على مجموعة “فاغنر”، لا سيّما بعد تمرد قائد هذه المجموعة، يفغيني بريغوجين، قبل مقتله في انفجار طائرته عام 2023.
الدكتور رأفت محمود، المتخصص في الشؤون الأفريقية والأمن الإقليمي، يشير في هذا الإطار إلى أن “روسيا رأت ضرورة أن يكون هناك احترافية، وأن تعمل بتوجيه أكبر من وزارة الدفاع”، وأنه في البداية كان هناك إعلان للانضمام والتجنيد إلى الفيلق بناءً على تخصصات محددة، ومن ثم تمت الاستعانة “بكوادر فاغنر التي لديها الخبرة، وموجودة على الأرض، ولديها الخبرة الميدانية في المناطق الأفريقية”.
أما عن خلفية إنشاء وحدات “فاغنر” في بادئ الأمر، فيقول الدكتور محمود، في حديث مع “النهار”، إن الاتحاد السوفياتي السابق كان له مواجهة مع تنظيمات غير عسكرية نظامية، مثل الحرب في أفغانستان والشيشان والجمهوريات السوفياتية، ومن ثم شهدت روسيا على تجربة الولايات المتحدة مع مجموعة “بلاك ووتر” في العراق والصومال. ويضيف: “كانت روسيا تنظر إلى هذه التجارب الغربية من خلال شركات ذات خبرات قتالية تستقطب أفراداً سابقين كانوا يعملون ضمن جيوش نظامية، واستُخدموا لتنفيذ عمليات في دول محددة… ورأت أن يكون لها تجربتها الخاصة. وعليه كانت فاغنر، ومن ثمّ الفيلق الأفريقي، وهذه التجارب هي نتاج الفكر الغربي بالأساس”.
تمرد بريغوجين على موسكو تزامن تقريباً مع الانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض دول الساحل الغنية بالذهب واليورانيوم والمعادن النفيسة، فوجدت موسكو أنه “من مصلحتها أن تتموضع في المنطقة، خصوصاً أنها كانت قد حققت نجاحات كبيرة من خلال فاغنر سابقاً والفيلق الأفريقي”.
الميدان الأوكراني والأفريقي
روسيا التي تخوض حرباً ضروساً في أوكرانيا المدعومة غربياً بأسلحة حديثة ومعلومات استخباراتية دقيقة، جعلت من هذه الحرب حرباً تمتدّ لأكثر من ثلاث سنوات، بينما كانت التقديرات العسكرية الروسية في بدايتها أنها معركة أسابيع معدودة.
هذا الواقع الميداني فرض على روسيا البحث عن مواقع في الخريطة الجيوسياسية يكون لها وقع يجعل الغرب يعيد حساباته، والساحة الأفريقية هي إحدى المناطق الحامية في صراع النفوذ بين أوروبا التاريخية، والولايات المتحدة، وروسيا، وآخر المنضمين إلى هذا “النادي” كانت الصين، من باب الاقتصاد والإنماء.
وفي هذا السياق، يوضح الدكتور محمود أن “الميدان الأفريقي كان إحدى وسائل الضغط، لا سيما على فرنسا، خصوصاً أن اليورانيوم الذي يُغذي المفاعلات النووية الفرنسية يأتي من النيجر ومالي، وبالتالي كان الضغط على دعم فرنسا للميدان الأوكراني في أفريقيا”.
هذا في الشق العسكري، لكنه في الواقع لا ينفصل عن المسار السياسي والاقتصادي.
قبل شهر تقريباً من مؤتمر ليبيريا، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يستقبل في البيت الأبيض زعماء بعض الدول الأفريقية في تموز/يوليو للبحث في سبل الاستثمار وتنمية الموارد الطبيعية لهذه الدول.
وقبل ذلك بأيام قليلة، شهد البيت الأبيض على توقيع كل من رواندا وجمهورية الكونغو الديموقراطية اتفاق سلام لإنهاء صراع عمره أكثر من ثلاثة عقود.
توازياً، فإن موسكو ليست بعيدة عن هذه السياسة، فقد استضافت أواخر تموز/يوليو 2023 القمة الأفريقية-الروسية الثانية، بمشاركة 48 دولة أفريقية، وخرجت بسلسلة من اتفاقيات التعاون.