نشتكين الدَرَزي: تحليل نقدي لرواية هجرته إلى بلاد الشام استنادًا إلى المصادر الحديثة

حسان زين الدين*
تُعدُّ رواية انتقال نشتكين الدَرَزِي إلى بلاد الشام ووفاته فيها، رغم هشاشتها، من أكثر الروايات تداولاً في أدبيات نشأة طائفة الموحدين الدروز. تهدف هذه المراجعة إلى تفنيد تلك الرواية استناداً إلى المصادر التاريخية المعاصرة للحدث، مثل المختار المسبّحي ويحيى بن سعيد الأنطاكي، وإبراز غياب التسمية وواقعة الانتقال إلى الشام في أقدم الآثار التاريخية المدّونة في جبل لبنان، كما تتطرق إلى دور الروايات المتأخرة في ترسيخ تصوّر نمطي لا يستند إلى أدلّة كافية.
بداية، يُلاحظ غياب أي ارتباط بين نشتكين الدرزي ونشأة هذه الفرقة، بدليل تصنيف أسفارها العقائدية المبكرة له ضمن الغلاة والمارقين، دون الإشارة البتّة إلى زيارته أو إقامته في بلاد الشام. وتُظهر النصوص التاريخية التي دوّنها أقدم المؤرخين الدروز في العصر المملوكي، صالح بن يحيى التنوخي (ت. 1436م) وحمزة بن سباط (ت.بعد 1520م)، غياب أي ذكر لزيارة الدرزي، كما تغيب عن كتابيهما (“تاريخ بيروت وأخبار الأمراء البحرتيين من بني الغرب” و”صدق الأخبار”) تسميات مثل “الدرزية” أو “دروز”، باستثناء إشارة ابن سباط إلى “الدرزية” كجماعة، في سياق حملة المماليك على كسروان عام 1307م.
ويعود تداول الاسم اللاحِق على نشأة الطائفة، في روايات متأخرة، إلى تأثير مؤرخين وسلطات محيطة، دون ارتكازه إلى مصادر معاصرة لحقبة الحاكم بأمر الله (386–411هـ / 996–1021م) والظاهر لإعزاز دين الله (411–427هـ / 1021–1036م)، حيث تبلور فيهما هذا المذهب.
أمّأ المصادر التاريخية المعاصرة، وفي مقدّمها المختار المسبّحي (ت. 420هـ/ 1029م) ويحيى بن سعيد الأنطاكي (ت. 458هـ/1066م)، فلا تورد أي ذكر لانتقال أنوشتكين البخاري (التسمية وفق الأنطاكي) مقابل تأكيد مقتله في القاهرة. ويتفق معه المقريزي (ت. 845هـ/1441م) في “اتعاظ الحنفا” حيث اعتمد على المسبّحي، ويذكر أن قاتله من الأتراك، دون أي إشارة إلى مغادرته مصر.
ومن بين أقدم المصادر التي ذكرت رواية انتقاله إلى وادي التيم، “مرآة الزمان” لسبط ابن الجوزي (ت. 654هـ / 1256م)، المُدَوَّن بعد أكثر من قرنين على مقتل الدرزي. وخلال هذه المدّة لا يمكن التأكد ما إذا كان اسم الدرزي قد أُلحِقَ فعلاً كلقب بأتباع هذا المذهب الإسلامي. ويذكر سبط دون أن يسمّي مصدره: “رأيت في بعض التواريخ بمصر أن رجلاً يُعرف بالدّرزيّ قدم مصر، وكان من الباطنيّة، فاجتمع بالحاكم، وصنّف له كتاباً، وبلغ عنده أعلى المراتب، بحيث إن الوزراء والقواد والعلماء كانوا يقفون على بابه… فثار الناس عليه وقصدوا قتله، فهرب منهم وأنكر الحاكم أمره وبعث إليه وقال: اخرج إلى الشام وانشر الدعوة في الجبال… نزل بوادي تيم الله بن ثعلبة، غربيّ دمشق من أعمال بانياس … إلى أن انتهى”.
ورغم ضعف الرواية، فقد تبنّاها لاحقاً كثيرون، بينهم ابن تغري بردي (ت. 874هـ/1470م)، بينما تجاهلها المقريزي، ما قد يدلّ إلى ضعف سندها أو عدم واقعيتها.
وقد ساهمت عوامل لاحقة في رواج هذه الرواية، منها النزاعات الطائفية التي غذتها السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي، ومنها أيضاً تكرار المقولة في الدراسات والأبحاث التاريخية دون تمحيص، مثل ورودها في مقدمة كتاب “راحة العقل” لحميد الدين الكرماني (ت. 411هـ/1021م) للمحقق عارف تامر (ت. 1998) الذي ذكر: “يقال إن الإمام الحاكم نصح الدرزي بالرحيل إلى وادي التيم في الشام”.
*دكتوراه في التاريخ الوسيط، باحث وروائي
– المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الإعلامية.