أذربيجان في السياق الجيوسياسي الجديد… هل تستطيع فرض شروطها في اتفاقية سلام مع أرمينيا؟

أذربيجان في السياق الجيوسياسي الجديد… هل تستطيع فرض شروطها في اتفاقية سلام مع أرمينيا؟

دفعت التحولات الجيوسياسية المتسارعة في المنطقة وتقاطع المصالح، أذربيجان، الدولة ذات الغالبية الشيعية والواقعة على كتفي ايران، إلى واجهة الأحداث أخيراً، فاستضافت محادثات بين سوريا وإسرائيل وعززت دورها في سوريا الجديدة، وصولاً الى توقيعها الوشيك لاتفاق سلام مع أرمينيا، خصمها اللدود.

 عوامل عدة أتاحت لباكو الاضطلاع بدور الوسيط بين سوريا واسرائيل، علماً أن العلاقة بين الأذريين واليهود ليست جديدة. 
ثمة جالية يهودية تعيش في أذربيجان منذ أكثر من قرنين. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي هاجر أفراد منها الى اسرائيل، ومذذاك، صارت إسرائيل إحدى أولى الدول التي اعترفت باستقلال أذربيجان ولاحقاً وفرت لها بعض المساعدات الانسانية . ومنذ بداية القرن الحادي والعشرين، باتت اسرائيل شريكاً عسكرياً رئيسياً لأذربيجان، ودربت العديد من ضباطها في أكاديمياتها العسكرية.

 

وفي المقابل، ساعدت أذربيجان اسرائيل على بناء صناعتها الدفاعية التي تنمو باطراد في منطقة القوقاز. 

وفي آحر مؤشرات للعلاقة الاستتثنائية بين الدولتين، يقول الباحث الأذري فؤاد شهبازوف إنه منذ 7 أكتوبر، وبينما كانت الضغوط الدولية تتزايد على اسرائيل، أبقت باكو امدادت النفط للدولة العبرية الأمر الذي ساعدها على تجنب أزمة طاقة، وأتاح لها لاحقاً الاضطلاع بدور الوسيط بين اسرائيل من جهة وسوريا وحتى تركيا من جهة أخرى.  

 تؤيد تركيا، حليفة أذربيجان والداعمة لحكومة الشرع هذه القناة الأذرية، وإن تكن لا تبدو منخرطة  فيها مباشرة.  ففي ما يخص سوريا تريد أنقرة انتزاع اعتراف دولي لحكومة الشرع، وهذا يتطلب شرعية يتم اكتسابها من خلال الاتصالات الدبلوماسية.
  قبل الأحداث الدامية الأخيرة في السويداء، حاولت دمشق التوصل الى اتفاق  يقضي بانسحاب اسرائيل من جنوب سوريا الى  الحدود التي كانت سائدة منذ 1974. وعقدت محادثات أمنية في باكو بين اسرائيل وسوريا على هامش زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لأذربيجان.

دبلوماسية الغاز

بدت أذربيجان في موقع قوي للتوسط بين البلدين. فمن جهة، حافظت على علاقات قوية مع اسرائيل ومن جهة أخرى، أتاح لها مخزونها من الغاز نفوذاً مستجداً في سوريا، على أنقاض النفوذ الايراني. 
وخلال زيارة الشرع وقع الجانبان مذكرات تفاهم في مجال الطاقة، وبدأ الغاز الأذري التدفق الى سوريا في الاول من آب / أغسطس.
ويشبه شهبازوف الدور الذي تضطلع به شركة النفط الحكومية “سوكار” بما تؤديه “أرامكو” السعودية كأداة دبلوماسية.فقد أصبحت في السنوات العشر الأخيرة أداة فاعلة في القوة الناعمة لهذه الدولة الصغيرة في القوقاز، وقد بدأت استخدام العقود النفطية في دول أخرى لإرساء موطئ قدم لها في الخارج.
وتملك “سوكار” الأذرية  حصة من حقل الغاز البحري الاسرائيلي “تمار”. وهي تعتبر المستثمر الأجنبي الأكبر في تركيا، كما وقعت عقوداً مع ايران وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان. وترتبط الشركة ايضاً بعقود مع كل من السعودية والامارات.

ويقول شهبازوف إن توقيع الحكومة السورية اتفاقات مع “سوكار” هو بمثابة ضرب  عصفورين بحجر واحد، إذ إضافة الى امدادات الغاز التي تحتاج اليها سوريا، ستشكل البنى التحتية للشركة بمثابة درع ضد الضربات الاسرائيلية.
   يحل الغاز الأذري محل الغاز الايراني في سوريا، في وقت تبدو ايران  منبوذة في المنطقة بعد سلسلة الانتكاسات التي تعرضت لها أذرعها من غزة الى لبنان وسوريا.
 وحتى في محيطها، تبدو الجارة الجنوبية لأذربيجان معزولة.

ايران معزولة

ويقول شهبازوف إن إيران عزلت نفسها منذ 2020 ، عندما أعلنت باكو انتصارها على أرمينيا رغم أن أذربيجان وايران دولتان تعدان غالبية شيعية وتتشاركان القيم الثقافية نفسها. فمذذاك، كثفت طهران خطابها المعادي لأذربيجان ولم تربح شيئاً من ذلك. 

 

 

 

 

وعند انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً عام 2024 سارع الى مد  يد المصالحة لباكو وزارها في نيسان / أبريل، ولكن العملية توقفت مع الحرب بين ايران واسرائيل في حزيران/ يونيو. وبعد الحرب، سارع البعض في طهران الى الادعاء بأن اسرائيل استخدمت المجال الجوي الأذري لضرب ايران، ولكن هذا ليس صحيحاً، وهو يشبه الادعاءات  التي دأبت على تكرارها في العقدين الأخيرين  بأن الموساد لديه قواعد وعملاء في أذربيجان، من دون تقديم أي دليل على ذلك. 

اتفاق سلام مع أرمينيا

اليوم، تتوقع باكو أن تقطف ثماراً اضافية لدورها المستجد مع الاتفاق التاريخي المرتقب بينها وبين أرمينيا في البيت الأبيض .
وكان رئيس الوزراء الارميني نيكول باشينيان والرئيس الأذري إلهام علييف التقيا في أبوظبي الشهر الماضي.
   ويقول شهبازوف إن رعاية أبوظبي للاجتماع بين علييف وباشينيان يظهر مستوى الثقة بباكو، والتقدير لجهودها في الوساطة بين اسرائيل وسوريا.

وكثفت أرمينيا وأذربيجان في الفترة الاخيرة جهودهما من أجل تحقيق سلام دائم، إلا أن العملية كانت شاقة. فهما لم يتفقا بعد على ترسيم الحدود بينهما. على مدى السنوات الماضية، احتلت أذربيجان مناطق صغيرة من أرمينيا، متذرعةً بمخاوف أمنية.

والآن، مع جيش أقوى، وتزايد الطلب الأوروبي على نفطها وغازها، تخشى يريفان  أن يتمكن علييف من فرض شروطه.

كان أحد مطالب علييف تعديل الدستور الأرمني لإزالة جميع الإشارات إلى ناغورنو كاراباخ. ومن مطالبه أيضًا إنشاء خط نقل عبر أرمينيا يربط البر الرئيسي لأذربيجان بجيبها غير الساحلي ناخيتشيفان. وترددت أرمينيا في الالتزام بالمشروع بسبب مخاوف بشأن من سيسيطر عليه.