المذاق اللبناني و”حبة مسك” مع كمال مزوق… كيف يتحول الطعام إلى وجهة سياحية (فيديو)

يُعرف لبنان بتاريخه العريق، طبيعته الساحرة ومدنه النابضة بالحياة، لكنّ إحدى أثمن كنوزه تبقى في ثقافة طعامه. فالمطبخ اللبناني ليس مجرد وجبة، بل تجربة اجتماعية وثقافية عميقة تستقبل الزوّار بالأطباق الشهية ودفء الضيافة وصدق الترحيب، لتغدو هذه الميزة ركيزة من ركائز الجذب السياحي في البلاد.
في هذا السياق، التقت “النهار” برائد الأعمال كمال مزوّق، مؤسس “سوق الطيّب” و”طاولة”، الذي لطالما شدّد في عمله على قدرة الطعام على جمع الناس، مؤكداً أنّ “الطعام هو أكثر ما يمكن أن يمثّل الشعوب، تاريخهم وجذورهم”، ومضيفاً أنّ المطبخ اللبناني “تعبير صادق عن الأرض، لأنّ ما نأكله هو من إنتاج هذه الأرض التي تعطينا كل ما نحتاجه”.
التواصل والكرم في صلب المائدة اللبنانية
في لبنان، لا تُختصر المائدة بإشباع الجوع، بل هي مساحة للتواصل وبناء العلاقات. يقول كمال مزوّق: “الأكل من أكثر الأمور التي تجمعنا كلبنانيين بالرغم من تعدد المناطق واختلاف الأذواق وطريقة تحضير الوصفة الواحدة… الطعام اللبناني ليس سبباً للخلاف بيننا ولا للحرب”.
وتُشكّل المازة اللبنانية، المؤلّفة من مجموعة أطباق صغيرة يتقاسمها الحاضرون، نموذجاً لهذا البُعد الاجتماعي، حيث تمتد الجلسات لساعات في جوّ من الحكايات والضحك والدفء.
ويبقى كرم الضيافة سمة لبنانية أساسية، إذ يحرص اللبنانيون على استقبال الضيوف كما لو كانوا من أهل البيت، فلا يغادر أحد المائدة إلا ممتلئ المعدة والقلب. هذا الشعور بالتقدير الحقيقي يجعل من المائدة اللبنانية تجربة ثقافية لا تُنسى.
المطبخ اللبناني وجهة سياحية بامتياز
يلفت مزوّق إلى الترابط الوثيق بين المطبخ والسياحة، قائلاً: “بين الأكل التقليدي والسياحة علاقة جوهرية… نطلب الأكل التقليدي للبلد الذي نزوره لكي نتعرّف عليه”، مشدداً على أنّ استكشاف بلد ما لا يتمّ فقط من خلال صوره، بل من خلال اختبار نكهاته. فـ”الطعام هو تعبير وطريقة صادقة للتعرّف على بلد آخر”، بحسب قوله.
بهذه الطريقة، يصبح المطبخ اللبناني نافذة ثقافية وسياحية تعبق بالتقاليد وتلامس الحواس، ما يعزّز من موقع لبنان كوجهة استثنائية لعشّاق الطهي والتجارب الأصيلة.
أكلات لبنان التقليدية تواكب العصر
المأكولات اللبنانية هي بحدّ ذاتها عامل جذب سياحي، حيث يقصد الزوّار لبنان لتذوق أطباقه التقليدية من الكبة والتبولة وورق العنب إلى البقلاوة. لكنّ ما يميّز هذه الأطباق ليس مكوّناتها فحسب، بل طريقة تقديمها في أجواء المشاركة والاحتفال.
ويؤكد مزوّق أنّ “المطبخ كائن حي، وكل ما هو حيّ يخضع للتطوّر المستمر”، مشيراً إلى أنّ طعم البقلاوة تغيّر عبر السنوات، إذ باتت تُحضّر بدهون وسكريات أقل لتتماشى مع الأذواق الحديثة. برأيه، الطعام اللبناني في تطوّر دائم، من دون أن يفقد جذوره.
أما بالنسبة للمغتربين، فيبقى المطبخ التقليدي الرابط الحي مع الوطن والحنين. ويقول مزوّق إنّ هذه الأطباق تمثّل الامتداد الطبيعي للذاكرة الجماعية. وعندما سألناه عن توسيع مشاريع مثل “طاولة” لتشمل المغتربين والأجانب، أجاب: “إن وجود مائدة لبنانية تقليدية في كل منطقة من مناطق الاغتراب هو أمر جميل وذو دلالة عميقة”، موضحاً أنّ “مشروع “طاولة” يمكن أن يشكّل مركزاً يذكّر بتاريخ المناطق التي أتى منها المغتربون”.
ويختم بالقول: “حضور الطعام التقليدي في مدن الاغتراب ليس مجرّد ترف، بل وسيلة حيّة وفعّالة لتجسيد تاريخ لبنان، لا عبر كتاب أو متحف، بل من خلال مكان نابض بالحياة، تطهو فيه النساء الأطباق، ويروين من خلالها حكاية الوطن وأصول المهاجرين”.