ذكاء اصطناعي في متناول العائلة: دبي تطلق نموذجاً مبتكراً للتفاعل مع المجتمع

من خلال شخصية فتاة صغيرة ترتدي الزيّ الإماراتي وتتكلم بلهجة مألوفة، فتحت “دبي الرقمية” باباً جديداً للتواصل مع المجتمع، معلنة انطلاق أول أسرة إماراتية افتراضية مدعومة بتقنيات الذكاء الاصطناعي.
المبادرة تأتي ضمن “عام المجتمع”، لتجسّد نقلة نوعية في تقديم الرسائل الحكومية والتوعوية، بأسلوب يجمع ما بين الإنسانية والتكنولوجيا.
ظهرت الشخصية الأولى، وهي “الفتاة”، عبر فيديو قصير على المنصات الرقمية، بطابع وديّ وتصميم قريب من الأطفال والعائلات. لكن اللافت لم يكن المظهر فقط، بل دعوتها للجمهور إلى اختيار اسمها من بين ثلاثة خيارات: “دبي”، “ميرة”، أو “لطيفة”، في إشارة إلى أن هذه المبادرة قائمة على التفاعل مع الناس وإشراكهم منذ البداية.
يهدف المشروع إلى بناء أسرة رقمية متكاملة تمثل الأب والأم والأخ لاحقاً، بحيث تتعاون هذه الشخصيات في توصيل المعلومات حول الخدمات الحكومية، وتبسيط مفاهيم الذكاء الاصطناعي بطريقة ممتعة وهادفة.
المشروع ليس سابقة عالمية، لكن طريقته في التفاعل، ولغته، ومرجعيته الثقافية تجعله مختلفاً عن النماذج المماثلة حول العالم.
خلال مقابلته مع “النهار”، أوضح الخبير في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أحمد الزغلامي بأن هذا التوجّه الرقمي يتناغم مع استراتيجية الإمارات للوصول إلى المراتب العشر الأولى في مؤشر الحكومة الذكية بحلول عام 2031، مشيراً إلى أن التجارب العالمية ركزت في أغلب الأحيان على الأبعاد التقنية البحتة، فيما تنفرد دبي بجعل القيم المجتمعية في صلب مشروعها.
قال:
“في اليابان، شخصية “أزومي آي” مخصصة لمساعدة السياح بلغتين فقط، بلا طابع عائلي أو تفاعل مجتمعي، فيما تحاكي Zaein في كوريا الجنوبية نجمات الترفيه ولا تقدم محتوى خدمياً. أما في دبي، فالمشروع يحمل بعداً ثقافياً وإنسانياً حقيقياً، يخاطب مختلف الفئات بلهجة محلية وشخصية دافئة”.
وأشار الزغلامي خلال المقابلة إلى أن 90% من المحتوى باللهجة الإماراتية، مقارنة بـ40% فقط في مشروع “ميساء” بالسعودية، لافتاً إلى نتائج استطلاع رأي أظهر أن 75% من المستخدمين شعروا بأن الشخصيات الرقمية تمثلهم بالفعل.
دبي الرقمية تطلق أول أسرة إماراتية افتراضية تم إنشاؤها بالذكاء الاصطناعي، تمثّل هويتنا، وتتكلم بلغتنا وجميع لغات العالم، وتتواصل مع كل فئات المجتمع من مختلف الأعمار والثقافات، في خطوة نحو إعلام حكومي رقمي أقرب للمجتمع وأكثر تأثيراً، وتدعوكم اليوم لاختيار اسم أول أفرادها وهي… pic.twitter.com/mhnd46auG2
— Digital Dubai دبي الرقمية (@DigitalDubai) July 31, 2025
كما أوضح أن المشروع، رغم كلفته التقديرية البالغة 12 مليون درهم، يحقق وفرات كبيرة في وقت الموظفين الحكوميين، تصل إلى 30%، عبر أتمتة الردود الذكية.
وعن البعد التعليمي، قال:
“الشخصية تستخدم نموذج Falcon 180B لتوليد محتوى تفاعلي، وتُصمَّم 85% من تفاعلاتها على هيئة ألعاب تعليمية، وهي نسبة أعلى بكثير من مشاريع مثل “سوما” في الهند التي تكتفي بنسبة 50% فقط”.
وأكد الزغلامي أن هذه المقاربة رفعت نسبة استخدام تطبيق “ديواني” بنسبة 40% لدى العائلات خلال المرحلة التجريبية، مضيفًا أن المشروع يعيد صياغة العلاقة بين التقنية والبيئة الأسرية.
أما في ما يخص مستقبل الشخصيات الافتراضية، فقال:
“مدن مثل سنغافورة تطور نماذج ثلاثية الأبعاد رقمية للمدينة، ولندن تجرّب مساعدين ذكيين لرصد الشكاوى، لكن دبي تذهب أبعد من ذلك، بدمج الهوية الثقافية الإماراتية مباشرة في داخل منظومة الذكاء الاصطناعي”.
واختتم بقوله:
“هذه الشخصيات ليست رموزاً جمالية، بل أدوات فعالة ومجتمعية، تتحدث بلسان الناس، وتعمل على تحسين جودة الحياة الرقمية، مع الحفاظ على الشفافية الكاملة بفضل قانون بيانات الذكاء الاصطناعي الإماراتي”.
في هذا المشروع، تُوظَّف التكنولوجيا كوسيلة حيوية تربط الإنسان بالخدمة، وتصل بين الأسرة والمستقبل، والثقافة والذكاء الاصطناعي.