ما ترغب إسرائيل في الحصول عليه من سوريا والعكس صحيح

تأسست سياسات إسرائيل إزاء نظام الأسد، الفارط، على اطمئنانها له، ومعرفتها بما يمكن أن تتوقعه منه، باعتبار أن الحدود السورية ـ الإسرائيلية ظلت الأهدأ طوال 50 عاماً (1974 ـ 2024)، وبحكم سيطرة النظام على البلد بقبضة أمنية قوية، وبواقع تخلف الجيش السوري من ناحية قوة النيران والتكنولوجيا ووسائل الاتصال والقيادة، وبحقيقة أن الاقتصاد والبنى التحتية في سوريا لا تتحمل تكلفة خوض حرب، وفوق كل ذلك فثمة فجوة كبيرة بين النظام وشعبه، أو معظم شعبه.
على ذلك، فقد انتهجت إسرائيل سياسات مختلفة إزاء النظام السوري، في الـ 14 سنة الماضية، أي بعد اندلاع الثورة السورية؛ فهي روجت للنأي عن الصراع الداخلي في سوريا، وفقاً لمقولة صكها المحلل الإسرائيلي أليكس فيشمان، ملخصها: “دعوا العرب ينتحروا بهدوء” (“يديعوت أحرونوت”، 12/ 6/ 2013). وبحسب عاموس هرئيل: “المعركة في سوريا تجري بين معسكرين معاديين جوهرياً لإسرائيل. والاستنزاف المتبادل بينهما، من دون حسم في الأفق، مجدٍ لإسرائيل. إن عدم الاستقرار في سوريا خطير، وكذا احتشاد ناشطي الإرهاب من منظمات الجهاد العالمي على الحدود في الجولان مقلق، ولكنه لا يوازي المنفعة التي تنشأ عن تآكل القدرة العسكرية السورية، التقليدية وغير التقليدية. لا يوجد لإسرائيل أي سبب يدعوها إلى تمني انتصار أي من الطرفين الصقريين” (“هآرتس”، 25/9/2013).
بيد أن تلك السياسة شهدت مداخلات مباشرة وغير مباشرة، عنيفة، وناعمة، تمثلت، أولاً، بالحرص على عدم بروز تهديدات أمنية من جراء الصراع السوري، وهذا ما واجهته إسرائيل عبر غاراتها الجوية المتكررة على قواعد وقوافل عسكرية تتبع لإيران و”حزب الله”، مع فرض سيطرة على حدودها مع سوريا، ودعمها لتدمير السلاح الكيميائي في سوريا. ثانياً، الحرص على عدم تزويد جماعات المعارضة العسكرية أسلحة نوعية، لعدم تمكين أي من الطرفين من تحقيق الغلبة على الآخر، ما يعزز إضعاف سوريا وتفككها، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومجتمعياً. ثالثاً، الترويج لفكرة أن الصراع في سوريا من طبيعة طائفية؛ وهو ما يخدم إسرائيل على المدى الطويل في تعميم خاصيتها، بعدّ نفسها دولة يهودية، أي: ذات طابع طائفي، وأن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط لا ينبع من إسرائيل وإنما من طبيعة الأنظمة والمجتمعات في تلك المنطقة.
في الغضون، ظلت إسرائيل تتمسك بعدد من الثوابت، لعل أهمها:
أولاً، التمسك بهضبة الجولان السورية، وتأكيد عدم الانسحاب منها.
ثانياً، عدم السماح بتطور قدرات عسكرية لسوريا، قد تهددها مستقبلاً.
ثالثاً، تأكيد قدرتها على الردع، وحرية عمل ذراعها الطويلة، سواء إزاء سوريا أو إزاء “حزب الله”، والوجود الإيراني فيها.
بيد أن تلك الأهداف تطورت، وازدادت خطورة، نتيجة التداعيات الناجمة عن عملية “طوفان الأقصى” (أواخر 2023) إذ باتت تلك الذراع العسكرية الإسرائيلية الباطشة تصل إلى اليمن وإيران، وأيضاً، السعي الى فرض مناطق عازلة، خالية من السلاح، لضمان أمن إسرائيل، وهي تصل في لبنان إلى حدود نهر الأولي (وليس الليطاني فقط)، وتصل في سوريا إلى حدود محافظة دمشق، بحيث تشمل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، إضافة إلى محاولة التدخل في الشأن الداخلي في سوريا بدعوى حماية “الأقليات”، أي أن إسرائيل اليوم تسعى إلى فرض ذاتها لاعباً إقليمياً في تقرير مستقبل سوريا، ولبنان، بطريقة مباشرة، وبالوسائل العسكرية والسياسية، بالوسائل الناعمة والخشنة معاً، ما يضمن لها إضعاف بنى المشرق العربي الدولتية والمجتمعية لضمان أمنها على المدى الاستراتيجي.
تبعاً لذلك، فإن إسرائيل التي قامت بتدمير القدرات العسكرية السورية في الأيام الثلاثة الأولى، التي تلت انهيار النظام (8/12/2024)، والتي قامت بقصف مبنى هيئة الأركان في قلب العاصمة السورية دمشق، ومواقع قرب القصر الجمهوري، بذريعة الضغط على القيادة الانتقالية بدعوى حماية الدروز في السويداء، والتي فرضت سيطرتها على المناطق العازلة، على حدودها مع سوريا، وفقاً لاتفاقية فك الاشتباك (1974)، وتواصل توغلها في الأراضي السورية، إنما تتوخى استثمار ما ترى أنه حالة ضعف سورية، من كل النواحي، في المرحلة الانتقالية، لفرض أجندتها السياسية عليها، بحيث تبقى آمنة لعقود من السنين.
ليس من خيار لسوريا في حالتها الراهنة، وبخاصة مع انهيار الخيار العسكري، إلا إعادة بناء البيت على أسس وطنية شاملة، إذ إن قوة سوريا اليوم تكمن في بناء الدولة، كدولة مؤسسات وقانون، على أسس وطنية تقوم على وحدة شعبها، كمواطنين أفراد وأحرار ومتساوين، فهذا وحده ما يبعث سوريا، ويقويها، ويضمن سلامتها وسيادتها، وهو السبيل الوحيد لتفويت الأهداف الإسرائيلية.