أوسيمين ومورينيو والسعودية: ما الذي نتوقعه من الدوري التركي؟

أوسيمين ومورينيو والسعودية: ما الذي نتوقعه من الدوري التركي؟

محمد منيمنة  

لحظة هبوط طائرة الألماني الدولي ليروي ساني في إسطنبول، وكسر بث قناة غلطة سراي، لحظة وصوله، حاجز الـ 3 ملايين مشاهد مباشرة، واشتعال مدرج مطار أتاتورك كأن فريقاً توج للتو، لا بد من أن نتوقف لنسأل: هل نعيش فعلاً تحولاً جذرياً في كرة القدم التركية، أم أن ما نشهده ليس أكثر من فورة عاطفية أخرى تغرق الأندية أكثر في مستنقع المجازفة المالية؟ وهل حفزت رؤية السعودية الرياضية المشهد هناك؟

الصفقات التي شهدها صيف 2025 في “سوبر ليغ” ليست عابرة، بل كاسرة للنمط والتاريخ التركي. فقد نجح غلطة سراي في تحويل إعارة المهاجم النيجيري فيكتور أوسيمين إلى صفقة دائمة في مقابل 75 مليون يورو، براتب سنوي يلامس 15 مليوناً، في خطوة هي الأغلى في تاريخ الكرة التركية. أضف إلى ذلك توقيع جناح بايرن ميونيخ السابق ليروي ساني مجاناً، لتصبح الجبهة الهجومية للفريق بمثابة “دريم تيم” محلي.

فنربخشه، بدوره، عزز خطوطه الخلفية بضم ميلان شكرينيار ونيلسون سيميدو، ويستمر جوزيه مورينيو في صناعة سردية قائمة على “الأنا والانتقام الكروي” أكثر من مجرد التدريب.

وسط هذه الفورة، ماذا عن الغاية؟
هل الغاية حقاً بطولة دوري محلي أصبح شبه محتكر بين ناديين، أم أن عين الأندية التركية بدأت تفكر بارتجال عن المجد الأوروبي؟ وهل بات الشغف الجماهيري غطاء يمنح من دون شروط، أم أن الجمهور التركي، صار أكثر وعياً مما نظن؟

بين الطموح المشروع والمخاوف المعقولة
من جهة، يبدو المشهد مفعماً بالأمل. فللمرة الأولى منذ عقد، يتحول الحديث من “كيف ننافس الفرق الأوروبية؟” إلى “من سنواجه بعد دور المجموعات؟”. يقول نائب رئيس غلطة سراي متين أوزتورك: “هدفنا الآن بلوغ ربع النهائي في دوري الأبطال”. وهي جملة، لو قيلت قبل 5 سنوات، لقوبلت بالسخرية في إسطنبول.

 الأرقام تقرع جرس الإنذار؟
وفق الأرقام الرسمية، يبلغ راتب فيكتور أوسيمين وحده نحو 15 مليون يورو سنوياً، ويقدر راتب ليروي ساني بنحو 10 ملايين يورو. ما يعني أن اللاعبين مجتمعين قد يمثلان ما يقارب ثلث فاتورة الأجور الكاملة في غلطة سراي، بحسب موقع Capology، وهي نسبة غير مسبوقة محلياً. وإذا صحت هذه الأرقام، فإن عبء الرواتب قد يلتهم جزءاً كبيراً من دخل النادي الفعلي خلال موسم واحد، بخاصة في ظل تقلبات الليرة التركية وتذبذب عائدات النقل المحلي.

 

أوسيمين. (إكس)

 

المال وحده ليس موضع المشكلة
المنافسة داخل الدوري التركي تواجه خللاً بنيوياً يتمثل في غياب التوازن المالي. في الموسم الماضي، حصل غلطة سراي على 446 مليون ليرة من الجوائز وحقوق البث، في مقابل 313 مليوناً لبشكتاش، مما عزز الفجوة التقنية والبشرية بين الكبار والبقية. وحتى مفاجأة الموسم، سامسون سبور، النادي الذي أنهى الموسم ثالثاً، بقي الاستثناء، لا القاعدة بحسب الصحافة التركية.

ماذا عن التحكيم؟
التحكيم هو الحلقة الأضعف في هذه الحكاية. ورغم تجربة الاستعانة بحكام VAR أجانب الموسم الماضي، قرر الاتحاد التركي إنهاءها، ليعود الملف إلى دائرة الشك. تصريح نائب رئيس غلطة سراي نفسه، بأنهم “سيقبلون العدالة إن وجدت”، يحمل في طياته سخرية لاذعة أكثر من كونه إعلان التزام.

مورينيو، المتخصص في تحويل الضغط إلى سلاح، قال ذات مرة: “فزت بنهائيات أوروبية أكثر مما فعلته كل أندية تركيا في تاريخها”.

وقد لا تكون هذه الجملة ترفاً لغوياً، بل إشارة حقيقية إلى حجم الهوة بين الطموح المحلي والإمكانات القارية.

 

مورينيو. (إكس)

مورينيو. (إكس)

 

ماذا يريد الجمهور التركي؟
لكن، وسط كل هذا، فإن الجمهور التركي ليس ساذجاً، لا تكفيهم صفقات باذخة. بل تجدهم يسألون عن الشباب المحليين في وسائل التواصل، وعن العدالة التحكيمية، عن فرص سامسون سبور وطرابزون، عن إعادة توزيع المال، عن إصلاح الإدارات، ومشكلة المراهنات الأزلية.

السؤال الذي قد يطرح قريباً على الإدارات.. كم دفعتم؟ وكم حصدتم؟

هل كانت السعودية وراء اليقظة التركية؟
لا يمكن تجاهل السياق الإقليمي. فبينما تتجه الأنظار إلى المشروع الكروي السعودي العملاق المدعوم برؤية دولة وميزانية ضخمة، بدأ البعض في تركيا يطرح سؤالاً متأخراً لكنه جوهرياً: هل حفزتنا التجربة السعودية لنرد بكراتنا، أم أنها كشفت عن فجوة لا يمكن ردمها؟

من حيث الحجم، لا مقارنة بين الميزانيات والرؤية. لكن من حيث رد الفعل الكروي، بدا أن إسطنبول، وخصوصاً غلطة سراي وفنربخشه، أرادت أن تقول لسنا خارج الصورة بعد.

وربما لم تكن صفقة أوسيمين سوى محاولة لبعث رسالة: لدينا جمهور، ولدينا شغف، ولسنا بعيدين عن الحلم.
لكن هل تملك تركيا رؤية دولة رياضية كما هي الحال في السعودية؟

نجاح مشروط
ربما يكون موسم 2025–2026 هو الأكثر جذباً للأنظار في تاريخ الدوري التركي، لكنه ليس بالضرورة الأكثر نضجاً.
ففي خضم هذه الزحمة من الأسماء والرغبات، يظل النجاح الحقيقي مشروطاً، ليس بالمال فحسب، بل بالحكمة، لا بالنجوم فقط، بل بالمؤسسات. لكن المؤكد أن الكرة السعودية ألقت حجراً في ماء الجنوب التركي.