تركيزك يعادل الثروة: استكشاف خفايا اقتصاد المتابعة – المنتج هو أنت!

تركيزك يعادل الثروة: استكشاف خفايا اقتصاد المتابعة – المنتج هو أنت!

قد يبدو أننا نعيش في عصر ذهبي من الترفيه المجاني بفضل المنصات الرقمية العالمية. محتوى لا ينضب، متاح في كل لحظة، وعلى مدار الساعة. لكن خلف هذا التدفق الهائل من الفيديوهات والمنشورات، تقف آلة اقتصادية ضخمة تُحوّل “انتباهك” إلى أرباح طائلة. هذا ما يُعرف اليوم بـاقتصاد الانتباه” أو اقتصاد المتابعة”.

 

ما هو “اقتصاد المتابعة”؟

في زمن الرقمنة، لم يعد الذهب ولا النفط هو الثروة الأغلى، بل “وقتك”. إذ أصبح انتباهك كمستخدم أثناء تصفّح الشاشة سلعة ذات قيمة سوقية عالية، تتنافس عليها شركات التكنولوجيا العملاقة. كلما أطلت البقاء على تطبيق ما، كلما زادت فرصة هذه الشركة لتحقيق الأرباح من الإعلانات، وبيع بيانات الاستخدام، والتأثير على قراراتك الشرائية.

في هذا الاقتصاد، المستخدم ليس الزبون، بل هو “المنتَج” ذاته. المنصة تبيع وجودك ووعيك، مشاعرك وتفضيلاتك، إلى المعلنين.

يعلق الدكتور مهند حبيب السماوي، في حديث لـ”النهار”، أن “التركيز بات موجّهاً نحو الشهرة والتنافس على نيل أكبر عدد من المتابعين، ولم تعد الشركات تدفع للصحف أو القنوات كما في السابق، بل تدفع لمؤثر يمتلك آلاف المتابعين على حساباته، وهكذا أصبحت المتابعات سلعة يمكن من خلالها تحقيق أرباح مالية مباشرة. ولأن هذا التحول يرتبط مباشرةً بالمتابعين، أصبحت المنصة الرقمية نفسها شريكاً في عملية الربح، سواء عبر الإعلانات أو عمليات الدفع”.

 

 

 

أرباح طائلة

كل لحظة تقضيها على “يوتيوب أو تيك توك أو إنستغرام” تُحسب بدقة. هذه اللحظات تُقدّر مالياً وتُحوّل إلى عائدات إعلانية. على سبيل المثال، في عام 2024 فقط:

جنت “ميتا” أكثر من 160 مليار دولار من الإعلانات وحدها.حققت “يوتيوب”  36مليار دولار من عائدات الإعلانات.أما “ألفابت” فحصدت264  مليار دولار من الإعلانات، معظمها من محرك البحث “غوغل”.

الأمر لا يقتصر على هذه المنصات. فشركات الإعلانات التقنية، ومصنّعو الأجهزة، وحتى منصات البث، التي باتت تعتمد اعتماداً متزايداً على الإعلانات، جميعهم يلعبون أدواراً محورية في هذه المنظومة، ويجنون أرباحاً ضخمة منها.

 

بين المنافع والانتقادات

رغم أن اقتصاد المتابعة أتاح فرصاً غير مسبوقة لصانعي المحتوى والعلامات التجارية الصغيرة، إلا أنه لا يخلو من الانتقادات، لا سيما في ما يتعلق بتأثير هذه المنصات على الصحة النفسية، وقضايا الخصوصية الناجمة عن جمع كميات هائلة من بيانات المستخدمين.

في هذا الخصوص، اعتبر الدكتور السماوي أن أبرز التحديات تتمثل “بضجر المستخدمين من المنصات بسبب كثرة الإعلانات، فضلاً عن فقدان الثقة بالمنشورات ودوافعها”.

وقال إن “هذا النموذج الربحي دفع إلى تغييرات واضحة في سلوك أصحاب الصفحات الذين تعتمد عليهم الشركات في الإعلانات، أو ما يُعرف بصانعي المحتوى، إذ بدأ هؤلاء بالتركيز على المحتوى الذي يحقق أعلى نسب مشاهدة، مهما كان سطحياً أو خالياً من القيمة المعرفية، بهدف جذب عدد كبير من المتابعين”.

وأوضح أنه “لذلك نجد محتوى صانعي المحتوى مليئاً بما هو مثير للجدل، رائج، أو صادم، وهي أنماط تدعمها خوارزميات المنصات وتساهم في نشرها وتوسيع نطاق وصولها بشكل كبير”.

أما من جهة المستخدم، فأشار إلى أنه “أصبح أداة بيد الشركات والمنصات وصانعي المحتوى، إذ يُستغلّ وقته وانتباهه وطاقته، ما يقوده إلى الإدمان الرقمي، وذلك من أجل تحقيق أهداف ربحية بحتة دون أي اهتمام بالأضرار النفسية والسلوكية التي قد تصيبه، وهكذا تحول المستخدم إلى فريسة بيد هذه الأطراف الثلاثة، بلا حماية حقيقية”.

 

مستقبل لا يمكن تجاهله

سواء أحببنا ذلك أم لا، اقتصاد المتابعة أصبح جزءاً أساسياً من البنية الرقمية العالمية. أكثر من 3 مليارات شخص يستخدمون تطبيقات “ميتا” يومياً، وهذا الرقم في ازدياد مستمر. كل دقيقة تمر تُولّد بيانات، وتُنتج أرباحاً، وتُعيد تشكيل علاقتنا مع التكنولوجيا والوقت والمحتوى.

ختاماً، يرى السماوي أن التركيز المفرط على جذب الانتباه وتحقيق الأرباح يؤدي إلى آثار سلبية عميقة تضرب جوهر سلامة البيئة الرقمية للمستخدم، فالهوس بالربح دائماً ما يكون على حساب المستخدم، الذي يُختزل إلى مجرد سلعة ضمن معادلة إعلانية لا ترحم المستخدم ولا تنظر الى حاجاته. 

أما من ناحيتنا، كمستخدمين، فبإمكاننا الانسحاب من هذا النظام كسلع، تقليل الاستخدام، تقنين التطبيقات، وغير ذلك، لكن من الصعب إنكار أنه، ببساطة، موجود هُنا.