مثلما في أوروبا، القلق يساور تايوان من ترامب

تتفق أوروبا مع تايوان حول التشكيك بصلابة الالتزامات الأميركية بأمنيهما. وقد يكون القلق في تايبيه أكبر، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خفف لهجته تجاه أوروبا في الآونة الأخيرة مع زيادة إنفاقها الدفاعي، بينما تشدد نسبياً حيال تايوان.
منعت الولايات المتحدة مؤخراً الرئيس التايواني لاي تشينغ-ته من عبور أراضيها وهو في طريقه إلى أميركا اللاتينية. وكان من المفترض أن يتوقف لاي في نيويورك ودالاس. أدى القرار إلى إلغاء لاي زيارته الديبلوماسية لدول أميركا اللاتينية والتي كانت مقررة مطلع الشهر الحالي. وألغت الإدارة أيضاً زيارة لوزير الدفاع التايواني ولينغتون كو إلى واشنطن في حزيران/يونيو الماضي. ذكرت “فايننشال تايمز” أن الزيارة ألغيت في الدقيقة الأخيرة.
أسباب
ربما أراد ترامب تفادي عرقلة المحادثات التجارية مع الصين في الحالتين. لكن حتى مع وضع المفاوضات جانباً، أظهر الرئيس الأميركي نفوراً من تايبيه. فهو اتهم الجزيرة في آذار/مارس بـ “سرقة” صناعة أشباه الموصلات من الولايات المتحدة، بالرغم من أنه حمّل الإدارات السابقة المسؤولية. وكان ترامب قد هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على تايوان قبل أن يتراجع عن ذلك عقب إعلان أكبر شركة تايوانية لصناعة أشباه الموصلات التزامها بناء خمسة مصانع في أريزونا. مع ذلك، فرض ترامب مؤخراً رسوماً بنسبة 20 في المئة على الجزيرة.
في الصورة العامة، تتلقى تايبيه معاملة أميركية قريبة من المعاملة التي تلقاها شركاء آخرون. وفي ما يخص التصور الترامبي لتايوان، يمكن نظرياً تصنيف سياسات الرئيس الأميركي بأنها عودة إلى “الغموض الاستراتيجي”. بموجب تلك السياسة، تمتنع واشنطن عن إعلان ما إذا كانت ستهب لنجدة تايوان في حال تعرضت لهجوم صيني، بالرغم من أنها ستنظر إلى حدث كهذا بـ “قلق بالغ”. وقال ترامب في شباط رداً على سؤال بشأن ما إذا كان سيدافع عن تايوان: “لا أعلّق على ذلك أبداً”.
لكن بما أن الرئيس الأميركي لم يظهر استراتيجية واضحة في إدارة العلاقات الخارجية، وبما أنه يميل إلى تفضيل الصفقات مع القوى الكبرى المنافسة، تبرز علامة استفهام حول فرضية “عودة” ترامب إلى “الغموض الاستراتيجي” والذي تخلى عنه، خطابياً على الأقل، سلفه جو بايدن. بالتوازي، قد تتحول تايوان إلى “ورقة” بيد ترامب للتفاوض مع الصينيين من أجل الحصول على تنازلات تجارية. فليس لدى ترامب موقف آيديولوجي تجاه الصين بعكس بعض مسؤولي إدارته.
سؤال وحيد
ثمة فرق كبير بين سياسات ترامب تجاه تايوان في الولاية الأولى وبداية ولايته الثانية. فهو خفف سنة 2018 القيود التي كانت مفروضة على سفر بعض مسؤولي الجزيرة إلى بلاده، كما باعها أسلحة بقيمة 18 مليار دولار في أربعة أعوام، أي أكثر من قيمة الأسلحة التي باعها أوباما في ضعف هذه الفترة.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب (أ ب)
لا يعني ذلك بالضرورة أن ترامب “يتخلى” عن تايوان. ليس إلى الآن على الأقل. فقد حصلت تايوان على دفعة أولى من 50 ألف مسيّرة أميركية هجومية ستصل إليها خلال العامين المقبلين، بحسب ما أعلنه كو الثلاثاء. وفي الشهر الماضي، ظهر تسجيل لترامب يعود إلى سنة 2024 ويقول فيه لمانحين إنه هدد الصين بقصف بكين إذا هاجمت تايوان. وفي نيسان/أبريل، استقبلت واشنطن رئيس مجلس الأمن القومي التايواني جوزف وو.
تحتم هذه السياسات المتباينة السؤال التالي: هل يعتنق ترامب في هذا الملف الغموض “الاستراتيجي” أم “التكتيكي”؟