الدولة “تزدهر بميزان الذهب” والحزب “لن يختار الانتحار”

الدولة “تزدهر بميزان الذهب” والحزب “لن يختار الانتحار”

لا يُضيف “حزب الله” جديداً إلى منطق ذرائعه حين يعيّر الدولة اللبنانية وكبار مسؤوليها بخضوعهم للضغوط الأميركية والخليجية من أجل إقرار حصرية السلاح بيد القوات الشرعية اللبنانية وحسب، فيما أن منظومة الحكم التي لا يزال بعضها قائماً على الرغم من تجديد بعضها الآخر أثبتت بما لا يقبل الشك أنها لا تمشي إلا تحت الضغط الشديد فحسب.

 

فالضغط  من أجل انتخاب رئيس للجمهورية مثلاً لم يحصل إلا بعد ضغوط خارجية لإنهاء تعطيل الحزب للمسار الدستوري في لبنان مراراً وتكراراً، فيما أن الحزب نفسه سارع إلى القبول باتفاق وقف النار في تشرين الثاني 2024 كما في آب 2006 تحت الضغط العسكري الإسرائيلي الذي كاد في المرتين أن يودي بالحزب إلى التصفية لولا مسارعة الأخير لاستلحاق نفسه في اللحظة المناسبة، وفق المعلومات الديبلوماسية والسياسية في هذا السياق.

 

سار مجلس الوزراء بين النقاط وعلى حد السيف إذا أمكن القول. فلا هو تخاذل أو  تراجع، لا سيما بعد التهديدات التي وجهها الأمين العام للحزب نعيم قاسم الذي تحدث تزامناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء على نحو يدفع المجلس إلى التخوف والحذر إزاء المضيّ في اتخاذ قرار نزع سلاح الحزب. وخروج مجلس الوزراء بلا أي قرار بعد هذه التهديدات كان سينهي كلاً من الحكومة والعهد معاً، لما يؤشر ذلك إليه من تراجع تحت وطأة التهديد، بما يجعل مستحيلاً قيام الدولة بعد ذلك.

 

لم يدعُ مجلس الوزراء صراحة إلى نزع سلاح الحزب تجنّباً لاستفزازات توظَّف في إطار تسعير توتر طائفي لا سيما مع تعمّد الأمين العام للحزب التحريض ورفع السقوف، ولكنه رد عليه بمنطق بناه على الدستور والاتفاقات التي استلّها نعيم قاسم من قاموسه بتفسيرات مجتزأة ومحورية على غرار تفسيره لاتفاق الطائف بأنه نص على “المقاومة”، في حين أن اتفاق الطائف لا يتضمن أي بندٍ يمنح شرعيةً لحمل السلاح خارج إطار الدولة، بل يُشدّد على “ضرورة بسط سلطة الدولة بقواها الشرعية على كامل التراب اللبناني، تاركاً لها وحدها تحديد الوسائل الكفيلة بتحرير الأراضي المحتلة”، ما يجعلها وحدها صاحبة القرار في تجديد هذه الوسائل وليس اعتماداً على تفسيرات يسقطها على وضعه حماية لموقعه.

 

 

مجلس الوزراء برئاسة عون (نبيل اسماعيل).

 

لم يكن قرار الحكومة مكتملاً ووفق الانتظارات الداخلية والخارجية الضاغطة في هذا الاطار، خصوصاً أن ثمة محاذير قد يكون أبرزها مواجهة الدولة عراقيل لتنفيذ ما اتخذته وتتخذه من قرارات في هذا الشأن، ولا أوهام للأسف في هذا الإطار، والأرجحية الكبيرة في رأي البعض لعملية شراء للوقت الذي تحتاج إليه الدولة لئلا تظهر متقاعسة عن أداء مهامها أمام الخارج أو أنها أضاعت الفرصة المتاحة على الرغم مما يخشاه هذا البعض من عملية شراء الوقت من حيث انعكاسه اعادة الحزب تسليح نفسه بما يقوي عصبه مرة أخرى. ولكن الأهم في ما حصل والذي لا يمكن تجاهله، هو أن الدولة اللبنانية اتخذت عملانياً القرار بنزع الشرعية عن أي سلاح خارج سلطة الدولة، ما يعني أن سلاح الحزب وبأي غطاء يتغطى، لم يعد يحظى بغطاء الشرعية الرسمي. وقياساً على الذريعة التي كان يعتمدها الحزب إزاء خصومه حول موقفهم من سلاحه وضرورة التزامه قرار الدولة في الأعوام السابقة، حيث كانت ذريعته أن ثمة شرعية لسلاحه في البيان الوزاري وفي مواقف الدولة وأركانها، فإن الموقف الأخير لمجلس الوزراء يكتسب أهمية كبيرة، ولو أن خطاب القسم لرئيس الجمهورية والبيان الوزاري وضعا اللبنة الأساسية لذلك.

 

في المقابل فإن الثنائي الشيعي، وعلى الرغم من السقف العالي لنعيم قاسم، ” كسرها وجبرها” في الوقت نفسه لا سيما أن الرئيس نبيه بري وحده وبالنيابة عن الحزب خط ما ورد في ترتيبات اتفاق وقف النار ومن يجوز له حمل السلاح وهو لم يتضمن سلاح “حزب الله”. وهذا ورد في الحيثيات التي أوردها رئيس الحكومة نواف سلام بعد الجلسة.

 

وهو لم يدفع وزراءه إلى مغادرة جلسة مجلس الوزراء ومغادرة القصر الجمهوري كما لم يحل دون ميثاقية القرار الذي اتخذته الحكومة، فيما تقول مصادر وزارية أن المراعاة المدروسة من الجميع أدت إلى ميزان دقيق للأمور بعيداً من العشوائية. فالثنائي الشيعي يدرك تماماً مسؤوليته عن احتمال إقحام البلد في حرب لا يضمن أن إسرائيل لم توسع نطاقها حتى لو عاد نعيم قاسم ليهدد بصواريخه ضدها على الرغم من وثوقه كما قال بعدم سعيها أو  قدرتها على ذلك راهنا كما قال. وهو يدرك مسؤوليته عن زج البلد في تجاهل خارجي وأميركي تحديداً قد يطلق يد إسرائيل ويحول دون استعادة النقاط المحتلة في المدى المنظور كما يدرك مسؤوليته في منع وصول مساعدات تتيح إعادة الإعمار وإنهاء معاناة اللبنانيين وبيئته في الدرجة الأولى. ولذلك تعتقد هذه المصادر أن الاستعراض الذي قدمه الحزب في الشارع وعلى المستوى السياسي والإعلامي قد يكون محدوداً بالهويات التي حصلت، وهو يدرك محاذير فتح أي حرب داخلية لن تفيده هو في شكل خاص ما بين الطوق الذي تشكله إسرائيل وما قد يثيره من عداء وربما حرب في الداخل لن يستفيد منها في ظل وضع داخلي يواجه عزلة سياسية فيه ووضع إقليمي لا يصب في مصلحته لا سيما في الجوار السوري. فهناك محاذير يدركها ولا يعتقد مراقبون كثر أن الحزب انتحاري على الرغم من أخطائه الجسيمة في قرارات الحرب في شكل خاص والتي جعلته يبدو كذلك لا سيما في حرب إسناد غزة.